قل لزهير إذا حدا رشدا أقلل أو أكثر فأنت مهذار |
سخنت من شدة البرودة حتى صرت عندي كأنك النار |
لا يعجب السامعون من صفتي كذلك الثلج بارد حار |
المغنيين هاجيا:
وهذا الشعر دليل على نظرة أبي نواس في علم الطبائع،لأنّ الهند تزعم أن الشيئ إذا أفرط في البرد عاد حارا مؤذيا...وكان تأثير الثقافة الفارسية في الشعر والشعراء أشد وأقوى من تأثير الثقافة الهندية ،إذ كان كثير من الشعراء يتقنون اللغة الفهلوية،وقد مضى الشعراء منذ ظهور كتابي الأدب الكبير والأدب الصغير لابن المقفع يتأثرون بما نقله فيهما من تجارب الفرس وحكمهم ووصاياهم في الصداقة والمشورة وآداب السلوك والسياسة ومن يرجع إلى بشار يجده يفرد للمشورة قطعة طويلة في إحدى مدائحه:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم |
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادم |
ولا ريب في أنّ الثقافة اليونانية كان تأثيرها في الشعر والشعراء أعمق وأبعد غورا،بما فتحت أمامهم من أبواب الفكر الفلسفي وأبواب المنطق ومقاييسه.
وأدلته ، وما بعثت فيهم من محاولات استكشاف دفائن المعاني واستخراج دقائقها
وقد مضى كثير من الشعراء يزيدون محصولهم من تلك الثقافة،بل كان منهم من ألف في المنطق حتى يشحذ ذهنه وأذهان الشعراء من حوله .وكان مما ترجم لهم من تلك الثقافة مراثي فلاسفة اليونان للإسكندر المقدوني عند وفاته وقد نقل منها أبو العتاهية أطرافا إلى مراثيه:
بكيتك يا علي بدمع عيني فما أغنى البكاء عليك شيا |
كفى حزنا بدفنك ثم أنّي نفضت تراب قبرك عن يديا |
وكانت في حياتك لي عظات و أنت اليوم أوعظ منك حيا |
ولعل أكبر بيئة عنيت بهذه الثقافة بيئة المعتزلة،إذ كانت تقوم من الفكر العباسي في هذا العصر مقام السكان والمجداف من السفينة، فهي تثيره وتدفعه إلى أن يزيد محصوله من جميع المعارف و المعتقدات ، وأن يتمثلها إلى أبعد حد ممكن، وبدأوا بأنفسهم فتثقفوا من كل ما ترجم عن الهنود والفرس واليونان وعكفوا على الفلسفة اليونانية عكوفا جعلهم يقفون على شِعبها ومناحيها في الفكر الدقيق ولم يلبثوا أن استكشفوا لأنفسهم عالمهم العقل الذي يموج بطرائق الذهن في جميع المعاني الحسية والعقية ، وكانوا يحاورون أصحاب الملل والنحل في المساجد الجامعة ومن حين إلى حين يحاور بعضهم بعضا في غوامض الفلسفة محللين مستنبطين.........واشتقوا لهم آراء جديدة يدعمها العقل الذي شغفوا به وبأدلته وبراهينه، وهو شغف صوّره بشر بن المعتمر:
لله در العقل من رائد وصاحب في العسر واليسر |
وحاكم يقضي على غائب |
وقد سخّر بشر عقله في نظم قصائد تدخل في التاريخ الطبيعي يتحدث فيها عن مشاهد الطبيعة ودلالتها على قدرة الخالق...كما نظم شعراء من المعتزلة شعرا لم يكن بعيدا عن دوائر الشعر المألوف من المديح والغزل والهجاءوالرثاء والوصف بَيدَ أنهم طبعوه بطوابع جديدة من دقة المعاني ومن غرائب الأخيلة والصور.ومن أهم المشاكل التي عالجها الشعراء مشكلة الجبر والإختيار وفكرة التولد (وهو الفعل الذي ينشأ عن فعل آخر دون قصد)،وفكرة الجزء الذي لا يتجزأ وفكرة الجوهر الفرد.
يقول أبو نواس متغزلا ومحاورا ومجادلا نظراءه المعتزلة:
يا عاقد القلب عنّي هلاّ تذكرت حلاّ |
تركت منّي قليلا من القليل أقل |
يكاد لا يتجزأ أقل في اللفظ من لا |
هكذا كان رقي الحياة العقلية في العصر العباسي ،وأثر نزعتها على القصيدة في تلك الفترة ،وما استحضر من شواهد في هذه الفقرات لقليل جدا نظرا لغزارة مادتها ،وما هيأته الظروف المساعدة لكل ذلك في هذا العصر.
من كتاب العصر العباسي الاول (بتصرف)
كاتب الموضع
عفاف صادقأستاذة اللغة والأدب العربي
منقول
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي