الطريقة:جدلية الدرس:الشعور و اللاشعور.
الإشكال:هل كل ما لا نفهمه من السلوك الشعوري يمكن رده إلى اللاشعور؟
إن القول بأن الإنسان كيان مادي والبحث في ماهيته على هذا الأساس أمر
يتعارض والحقيقة حيث أن هناك جانب آخر يجب مراعاته ألا وهو الجانب النفسي فالإنسان
ينطوي على كيان داخلي يشعر من خلاله ويعي به تصرفاته، وإذا سلمنا أن الإنسان يعيش حياة
نفسية شعورية فإن هذا التسليم يدفعنا إلى التقرير بأن جميع تصرفاته شعورية لاغير ولكن
ما هو ملاحظ عند الإنسان العادي أنه يسلك سلوكات في بعض الأحيان ويجهل أسبابها فهل
هذا يعني أن الإنسان يعيش حياة نفسية شعورية فقط ؟ أو بالأحرى هل يمكن القول بأن سلوكات
الفرد شعورية فقط ؟ وإذا كان العكس فهل هذا يعني أن هناك جانب آخر للحياة النفسية ؟.
إن تصرفات الإنسان جميعها نردها للحياة النفسية الشعورية فقط، كما يزعم
أنصار الاتجاه الكلاسيكي الذي ظهر في عصر النهضة الأوربية الفيلسوف الفرنسي ديكارت
الذي يقولإن الروح أو الفكر تستطيع تأمل أشياء كثيرة في آن واحد والمثابرة في تفكيرها
وبتأمل أفكارها كلما أرادت ذلك، والشعور من ثمة بكل واحدة منها) حيث يرى بأن ما هو
عقلي هو بالأساس شعوري، ورفض إمكانية قبول وجود عمليات عقلية غير مشعور بها أي لا واعية
مادامت كلمة عقلي تعني شعوري فلا يمكن أن يكون هذا عقلي ولا نشعر به، وقد أخذ بهذا
الرأي كل من هوسرل وجون بول ستارت حيث نجد هوسرل يقول في كتابه (تأملات ديكارتية)كل
شعور هو شعور بموضوع ما أو شيء من الأشياء بحيث لا يبقى هناك فاصل بين الذات والموضوع).وبمعنى
هذا أن التفكير عن الكلاسيكيين هو ما نشعر به ونعيه من عمليات عقلية ولذلك اعتبر ديكارت
أن أساس إثبات خلود النفس قائم على الشعور.
ونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع هو بن سينا الذي اعتبر أن أساس
إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان كما يقول(إذا تجرد عن تفكيره في كل شيء من
المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا يمكن أن يتجرد عن تفكيره في أنه موجود
وأنه يستطيع أن يفكر)،ومعنى هذا أن الشعور يعتبر أساسا لتفسير وتحديد العالم الخارجي
نظرا لما يتضمن من عمليات عقلية متعددة ومتكاملة .
إن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته و أحاسيسه بنفسه
إذا لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية .
إن هذا الرأي أثار اعتراضا لدى الكثير من الفلاسفة وعلى رأسهم :فرويد،فرينك
لايبنتز، وهذا الأخير يقولإنني أوافق أن الروح تفكر دوما ولكن لا أوافق أنها تشعر دوما
بأفكارها).كذلك كيف نفير بعض السلوكات التي تصدر من الإنسان ولا يعي أسبابها كما أننا
نتصرف أحيانا تصرفات لا نعي أسبابها ولا يمكننا إدراجها في ساحة الشعور لأننا لا نشعر
بها وإذا كانت الحواس غير قادرة على استيعاب العالم الخارجي فالشعور كذلك لا يمكنه
احتلال ساحة النفس وحده.
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار الاتجاه الذي يقر ويثبت اللاشعور وقد
تبنى هذا الموقف ما يسمى بفلاسفة ـ مدرسة التحليل النفسي ـ وعلى رأسهم العالم النفساني
ذو الأصل النمساوي بسيجموند فرويد وقد استند إلى حجج وبراهين عدة في ذلك منها الحجج
النفسية المتعددة الأشكال (زلات القلم،فلتات اللسان،إضاعة الشيء،النسيان المؤقت،مدلول
الأحلام،الحب من أول نظرة)ويرى فرويد أنه لا يمكن فهم كل منها بدون التسليم بفكرة اللاشعور
ومن الأمثلة التي يستشهد بها والقصص التي يرويها فرويد عن فلتات اللسان افتتاح رئيس
مجلس نيابي بقوله:<<أيها السادة أعلن رفع الجلسة>>وبذلك يكون قد عبر لا
شعوريا عن عدم ارتياحه لما قد تسفر عنه الجلسة،والخطأ عند فرويد ظاهرة بسيكولوجية تنشأ
عن تصادم رغبتين نفسيتين إن لم تكن واضحة ومعروفة لدى الشخص الذي يرتكب الهفوة،ومن
أمثلة النسيان(أن شخصا أحب فتاة ولكن لم تبادله حبها وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن
الشخص الخائب كان يعرف الزوج منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما
ينسى اسم زميله محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه)وتبين لفرويد
أن هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرة ويود ألا
يفكر فيه أما الأحلام فهي حل وسط ومحاولة من المريض للحد من الصراع النفسي،ويروي المحلل
النفسي فرينك: )أن إحدى المريضات تذكر أنها رأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة
جميلة لونها أسود وثمنها غالي جدا)فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج
حياتها وتريد التخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد
أن لدى الزوجة رغبة متخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلا غنيا وجميلا
وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالي يعني رغبة الفتاة في
الغنى وقد استنتج فرويد من خلال علاجه لبعض الحالات الباثولوجية أنه لابد أن توجد رابطة
بين الرغبة المكبوتة في اللاشعور والأغراض المرضية فهي تصيب وظائف الشخص الفيزيولوجية
والنفسية ويقدم فرويد مثال ـ الهستيريا ـ فصاحبها لا يعرف أنه مصاب بالهستيريا وهي
تنطوي على أعراض كثيرة منها (فقدان البصر،السمع،أوجاع المفاصل والظهر،القرحة المعدية).ولهذا
يؤكد فرويد مع بروير هذا الأمر حيث يقول بروير(كلما وجدنا أنفسنا أمام أحد الأعراض
وجب علينا أن نستنتج لدى المريض بعض النشاطات اللاشعورية التي تحتوي على مدلول هذا
العرض لكنه يجب أيضا أن يكون هذا المدلول لا شعوريا حتى يحدث العرض،فالنشاطات الشعورية
لا تولد أعراض عصبية والنشاطات اللاشعورية من ناحية أخرى بمجرد أن تصبح شعورية فإن
الأعراض تزول).ويمكن التماس اللاشعور من خلال الحيل التي يستخدمها العقل من دون شعور
كتغطية نقص أو فشل،ومن أمثلة التعويض أن فتاة قصيرة القامة تخفف من عقدتها النفسية
بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار من مستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار
أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أو بلباس بعض الفساتين القصيرة ويرجع الفضل في إظهار
عقدة الشعور بالنقص ومحاولة تغطيتها إلى تلميذ فرويد آذلار ومنها ـ التبرير ـ فالشخص
الذي لم يتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ ل تبرير موقفه بإحصاء عيوب المسرحية.و
يضيف فرويد قوله بأنه مادامت حواسنا قاصرة على إدراك معطيات العالم الخارجي فكيف يمكننا
القول بأن الشعور كاف لتفسير كل حياتنا النفسية .
رغم كل هذه الحجج والبراهين إلا أن هذا الرأي لم يصمد هو الآخر للنقد
حيث ظهرت عدة اعتراضات ضد التحليل النفسي وضد مفهوم اللاشعور خاصة،يقول الطبيب النمساوي
ستيكال أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولى ولكن بعد تجربتي التي
دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحت شعورية وان المرضى دوما يخافون
من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياء المكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا
إنه يشعر بها ولكنه يميل إلى تجاهلها خشية إطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام،بالإضافة
إلى أن فرويد لم يجر تجاربه على المرضى الذين يخافون من الإطلاع على حقائق مشاكلهم
وفي الحالات العادية يصبح كل شيء شعوري كما يقر بروير نفسه في قوله السابق وكذلك أن
اللاشعور لا يلاحظ بالملاحظة الخارجية لأنه سيكولوجي ولا الداخلية لأنه لا شعوري،إذَاً
لا نلاحظه داخليا أو خارجيا فلا يمكن بالتالي إثباته.
إن الإنسان يقوم في حياته اليومية بعدة سلوكات منها ما هو مدرك ومنها
ما هو غير ذلك ومن ثم ندرك أن هناك مكبوتات لا يمكن التعرف عليها إلا بمعرفة أسبابها
ولكن أن نرجع كل الحالات للاشعور فهذا ما لا ينبغي.
ونتيجة لما سبق يمكننا أن نقول أن الحياة عند الإنسان شعورية و لا شعورية
أن ما لا يمكن فهمه من السلوك الشعوري يمكن فهمه باللاشعور.
حين نتحدث عن اللبيد والجنس فلا مناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه
لهذه المسألة إلى درجة المبالغة والشذوذ وكل ما كتبه يدور حول الغريزة الجنسية لأنه
يجعلها مدار الحياة كلها ومنبع المشاعر البشرية بلا استثناء يصل به الأمر إلى تقرير
نظريته إلى حد أن يصبغ كل حركة من حركات الطفل الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة
فالطفل أثناء رضاعته ـ كما يزعم هذا الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنس
وهو يمص إبهامه بنشوة جنسية،وقد جاء في <<بروتوكولات حكماء صهيون>>(يجب
أن نعمل أن تنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات
الجنسية في ضوء الشمس كي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه رواء غرائزه الجنسية
وعندئذ تنهار أخلاقه).(انظر كتاب المادية والإسلام)(عن كتاب تنظيم الإنسان للمجتمع)
الحرية
والمسؤولية
طرح المشكلة
القضية المطروحة للبحث تتعلق بالحرية والمسؤولية، وهي قضية مركبة لا
يمكن تجزئتها، بمعنى انه لا يمكننا طرح قضية الحرية بمفردها بمعزل عن المسؤولية،
وكذلك العكس صحيح، فالمسؤولية مشروطة بالحرية ولا معنى لها في غيابها،أي انها تثبت
بثبوت شرطها وترفع برفعه، وكذلك الحرية تستوجب قيام المسؤولية.انهما اذن متلازمان
في الوجود ولايمكن الفصل بينهما. أن المشكلة في الحقيقة مزدوجة تدعونا تارة الى
الانطلاق من الحرية كشرط لتأسيس المسؤولية وتارة اخرى الى اعتبار هذه المسؤولية
شرطا يبرر ويستوجب وجود الحرية.
صياغة المشكلة
ايهما يعتبر المبدأ الحرية أم المسؤولية؟ او بصيغة اخرى ايهما يعتبر
شرطا للآخر أم مشروطا به؟
الجزء الاول(( الحرية مبدأ وشرط للمسؤولية))
طرح يقول بان الحرية هي المبدأ وهس الشرط، وان الحديث عن المسؤولية لا
يستقيم الا بوجود الحرية، ويترتب عن هذا الطرح انه يجب البحث اولا في الحرية
والنتائج التي يخلص اليها البحث هي التي تحدد ثبوت المسؤولية او عدم ثبوتها، يمثل
هذا الطرح مناصرو الحرية ونفاتها واصحاب الكسب والتوسط وكذلك دعاة التحرر.
1.أنصارالحرية
• اليوناني افلاطون: حرية الاختيار مبدأ مطلق لا يفارق الانسان وهو مبدأ
أزلي يتخطى حدود الزمان والمكان، وقد عبر افلاطون عن هذا المبدأ في صورة اسطورة
ملخصها ان الاموات يطالبون بان يختاروا بمحض حريتهم مصيرا جديدا لتقمصهم القادم
وبعد اختيارهم يشربون من نهر النسيان ثم يعودون الى الارض وق نسوا بانهم هم الذين اختاروا
مصيرهم ويأخذون في اتهام القضاء والقدر في حين ان الله بريء.
• المعتزلة في الفكر الاسلامي: ما يدل عندهم على ان الانسان يمارس
افعاله بارادته الحرة هو شعوره بها انها تصدر منه ويتضح ذلك في قولهم(( الانسان
يحس من نفسه وقوع الفعل على حسب الدواعي والصوارف، فأذا اراد الحركة تحرك واذا
اراد السكون سكن.)).كما ان وجود التكليف الشرعي والجزاء الذي يتبعه دليل آخر على
حرية ارادة العبد ودليل على عدل الله.
• الفرنسي ديكارت: الحرية مثبتة بشهادة الشعور وحده من غير حاجة الى
ادلة وذلك من خلال قوله(( ان حرية ارادتنا يمكن ان نتعرف اليها بدون ادلة وذلك
بالتجربة وحدها التي لدينا عنها. لكن ديكارت يميز بين حرية الاختيار الحقيقي وحرية
اللامبالات، فالاولى تتم بالاختيار بين عدة بدائل استنادا الى مبررات ذاتية، اما
الثانية ففيها يستوي الضدان((الاثبات والنفي)) بلا رجحان.
• الفرنسي برغسون: يصف الحرية بقوله((انها معطى مباشر للشعور.))، كما ان
شعورنا بالحرية متغير با ستمرار بحيث لا يمكن ان تتكرر حالتان متشابهتان اطلاقا،
وهذا يعني ان الحياة النفسية لا تخضع الى قانون الحتمية، كما ان الفعل الحر يصدر
عن النفس بأجمعها، وليس عن قوة تضغط عليه او عن دافع يتغلب على غيره، وذلك من خلال
قوله(( ان الفعل الحر ليس فعلا ناتجا عن التروي والتبصر، انه ذلك الفعل الذي يتفجر
من اعماق النفس.)).
• الفرنسي جون بول سارتر: لا فرق بين وجود الانسان وحريته، فهو محكوم
عليه بالاختيار والمسؤولية وفي ذلك يقول(( ان الانسان لايوجد اولا ليكون بعد ذلك
حرا، وانما ليس ثمة فرق بين وجود الانسان ووجوده حرا.)) وقال ايضا(( انه كائن
اولا ثم يصير بعد ذلك هذا او ذاك.)).
استنتاج: ينتج عن هذه المواقف الكلاسيكية جميعها ان الانسان حر حرية مطلقة ومن
ثمة فهو مسؤول ويتحمل عواقب اختياراته.
مناقشة مواقف مناصري الحرية
• ان القول بوجود حرية مطلقة في غياب كل اكراه داخلي او خارجي هو موقف
ميتافيزيقي مجرد لا وجود له في حياتنا الواقعية، فأرادتنا لا يمكنها ان تقول للشيء
كن فيكون، انها لا تستطيع ان تنفلت خارج الحتميات وتتحدى قوانين الطبيعة والنفس.
• كما ان الشعور بالحرية قد يكون مصدر خداع ووهم كما يصفه الفيلسوف
سبينوزا فهو شعور اشبه ما يكون بحجر رمي به من الفضاء وفي ذلك يقول((لو كان يتوفر
على شيء من الشعور لظن في اثناء رميه وسقوطه نحو الارض انه يقرر مسار قذفته ويختار
المكان والوقت الذي يسقط به.)).
• كما نأخذ على الفيلسوف برغسون قوله بحرية الفرد المنعزل عن الآخرين.
• كما نسجل على الفرنسي سارتر حذفه لكل تمييز بين افعالنا الحرة منها
وغير الحرة ما دامت الحرية تطابق وجود الانسان،كما انه ينفي الحرية من حيث اراد ان
يثبتها لأنه يعتبر ان الانسان محكوم عليه بالاختيار.
2.نفاة الحرية
• الحتمية الفيزيائية: الانسان مثله مثل جميع المخلوقات لا يعدو ان يكون
جسما يخضع لقانون الجاذبية ويتأثر بالعوامل الطبيعية من حرارة وبرودة..الخ
• الحتمية الفيزيولوجية: وتتمثل في تأثير المعطيات الوراثية وتأثير
الغدد الصماء والجملة العصبية وهي التي تحدد الجنس والخصائص الجسمية.
• الحتمية النفسية: وتتمثل في تأثير الجانب اللاشعوري وتوجيهه للسلوك
وهذا ما بينته نتائج التحليل النفسي عن النمساوي سيغموند فرويد.
• الحتمية الاجتماعية: يؤكد علماء الاجتماع ان التصورات والافكار
والافعال الصادرة عن الفرد راجعة الى تأثير المكتسبات الاجتماعية من عادات وقيم
واخلاق التي تشكل في مجموعها الظمير الجمعي.
• الحتمية الميتافيزيقية: وتتمثل في جبرية القضاء والقدر، قال بها
الجهمية حيث ذهبوا الى ان افعال الانسان ليست اختيارية انما يخلقها الله فينا على
حسب ما يخلق في سائر الجمادات، والافعال تنسب الينا مجازا كما تنسب الى الجمادات،
فكما يقال اثمرت الشجرة وجرى الماء وتحرك الحجر وطلعت الشمس او غربت كذلك يقال
سافر فلان او نجح فلان....الخ.
3.أنصار التوسط بين الجبر والاختيار
• موقف الاشاعرة: يرى الاشعري ان الافعال الصادرة عن الانسان مشاركة بين
الانسان وخالقه، فالانسان يريد الفعل والله يخلقه.
4.أنصار التحرر
• الرواقيون: الانسان يعيش عالمين عالم داخلي قوامه الحرية أي انه حر
امام ذاته وعالم خراجي قوامه الضرورة، أي ليس حرا امام العالم الخارجي لأنه لا
يستطيع ان يؤثر في الاشياء الخارجية. واذا كان الرواقيون قد حاولوا التوفيق بين
الضرورة والحرية فأن الضرورة تبقى هي الاصل في كل الاشياء، اما الحرية فأنها تكتسب
من خلال موافقة الانسان لقوانين الكون ومحاولة فهمها لا معارضتها.
• الالماني كارل مار كس وصديقه فريدريك انجلز: يتمثل التحرر من خلال
معرفة الانسان لمختلف القوانين الحتمية واستغلال نتائجها من الناحية التطبيقية،
وفي هذا السياق قال ماركس((الحرية وعي بالضرورة))وقال انجلز((فالانسان لم يكن
يتميز عن الحيوان لان سيطرته على نفسه وعلى الطبيعة لم تكن بعد قد تحققت وبالتالي
فان حظه من الحرية لم يكن يزيد عن حظ الحيوان منها، لكن المؤكد ان كل خطوة خطاها
في سبيل الحضارة لم تكن سوى مرحلة من مراحل تحرره.)).
• الشخصانية:باعتبارها فلسفة عمل وتحرر بقول رائدها ايمانويل موني((ان
الحرية لا تكتسب بمضادة الطبيعة انما تكتسب بالانتصار عليها وبها.)).
استنتاج:ينتج عن هذه المواقف ان الانسان فاقد للحرية ومن ثمة فهو غير
مسؤول عن افعاله أي لا يتحمل نتائج ما يصدر عنه من تصرفات.
مناقشة آراء نفاة الحرية وأصحاب التوسط ودعاة التحرر
• ان الاقرار بالحتمية لايعني تكبيل ارادة الانسان ورفع المسؤولية عنه،
فهناك فرق بين عالم الاشياء وعالم الانسان، فالاول يستجيب آليا لنظام الطبيعة
والثاني يستجيب له وهو كله وعي واكثر من ذلك يستطيع ان يسخر لنفسه قوانين الطبيعة
حسب ارادته بعد معرفتها والتحكم فيها، فالحتمية لاتتنافى مع الحرية ان هي اخذت في
هذا السياق على انها تحرر.
• كما ان القول مع الجهمية ان ادعاء الحرية يتعارض شرعا مع مسألة
الايمان بالقضاء والقدر، قول يناقض التكليف الشرعي وما يتبعه من جزاء، كما انه قول
يدعو الى التواكل والاستسلام والافلات من الواجب والمسؤولية.
استنتاج: من خلال ما سبق بيانه حول استعراض الحتميات ومناقشتها لنا ان
نتساءل كيف تقوم المسؤولية والشرط الذي يؤسسها لم يتأكد، اذ ليس من المعقول الحديث
عن شيء يتوقف ثبوته او نفيه على امر مجهول، ومع ذلك تبقى المسؤولية-كما سنرى-في
منطوق الطرح الثاني قائمة يتحملها الانسان بوصفه انسانا.
الجزء الثاني((المسؤولية مبدأ وشرط للحرية))
طرح يرى ان المسؤولية قضية سابقة لطرح قضية الحرية، بمعنى ان الانسان
يجب ان يكون مسؤولا اولا ليكون بعد ذلك حران يمثل هذا الطرح رجال الدين وفلاسفة
الاخلاق، ودليلهم في ذلك ان التكليف سواء كان شرعيا او اخلاقيا يسبق الحرية
ويبررها بغض النظر عن العوامل التي تحيط بالمكلف.
• المعتزلة في الفكر الاسلامي: التكليف الشرعي الصادر من الله والذي
يخاطب عقل الانسان بأفعل ولا تفعل انما هو تحميل الانسان للمسؤولية امام اوامر
الله ونواهيه باعتباره حرا والا كان التكليف سفها وباطلا، اذ لا يصح عقلا ان تقول
لمن ليس حرا افعل ولا تفعل.والله سبحانه وتعالى يقول((لايكلف الله نفسا الا وسعها.))
• الالماني ايمانويل كانط: الواجب الاخلاقي يتضمن الحرية وذلك في
قوله((اذا كان يجب عليك فأنت تستطيع)) والواجب الخلقي ألزام داخلي مصدره الظمير
الخلقي الذي يعاقب على الفعل السيء بالأسف والندم والحسرة، كما انه يثيب على الفعل
الحسن بالرضى والقبول.
• مالرانش: حيث يرى ان المسؤولية مرتبطة اشد الارتباط بالقانون الاخلاقي
نفسه وهو على حد تعبيره الذي لا يجوز انتهاكه ونقضه لا من طرف العقول ولا من طرف
الاله نفسه، وفي هذا المعنى يقول((ان الذي يريد من الله ان لا يعاقب الجوراو ادمان
الخمر لا يحب الله.))
استنتاج: ما يؤكد وجود الحرية المسؤولية وما يؤكد وجود المسؤولية هو
العقوبة المرتبطة بالقانون الاخلاقي.
مناقشة منطوق الطرح الثاني
• ان المسؤولية البشرية لايمكن ان تكون كاملة، لان حرية الانسان نسبية
فقد يرتكب اخطاءا في حق الغير من غير قصد منه.
• كما ان دعاة المسؤولية جعلوا من القصاص مرتبط بغايات اخلاقية فقط،
فمعاقبة المجرم يحقق في نظرهم شعوره بالذنب والندم عليه وفي ذلك تطهير وتأديب له
وجعله عبرة لغيره، لكنها تجاهلت الاساس الاجتماعي الذي يجب ان تبنى عليه العقوبة
والمتمثل في حماية المجتمع ووقايته من الخطر، والنظر في اسباب الجريمة وما يجب
اتخاذه من اجراءات الدفاع الاجتماعي أما بمعاقبة المجرم او اصلاحه او معالجته حيث
اخذ الدور التربوي يحتل الصدارة في العقوبات.
استنتاج: ليس من السهل تقرير مدى مسؤولية الانسان امام نتائج افعاله،
لان ذلك مرتبط باقامة الدليل على مدى حرية الانسان ومدى قدرته على التمييز بين
الخير والشر وما عقده من نية قبل اقدامه على الفعل.
الجزء الثالث((التغليب))
• يعرف الانسان بخاصية المسؤولية اكثر منه بخاصية الحرية، فالمسؤولية
تنصب على الانسان اولا بدون التساؤل عن شروطها، فعندما يكلفك استاذك القيام بواجب
مدرسي لا يسألك هل انت حر أم لا، انه يفترض وجودها مسبقا، كما تظهرالمسؤولية عند
اعتذارنا عن اخطاء ارتكبناها في حق الغير من دون ان نقصد الى فعل ذلك.
• كما ان ما يهم القاضي بالدرجة الاولى هو معرفة من قام بالفعل وما الذي
ترتب عن الفعل من نتائج اكثر من اهتمامه بدوافع الفعل، رغم اخذ القاضي بها بعين
الاعتبار كظروف مخففة.
• وما يؤكد مسؤولية الانسان ان الله جعله خليفته في الارض ومنحه عقلا
يميز به بين الخير والشر وارادة يوجهها كيفما يريد وذلك جلي في قوله تعالى في سورة
الاحزاب72((أنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها
وأشفقنا منها وحملها الانسان، انه كان ظلوما جهولا.)).
الخاتمة((حل المشكلة)): ان موضوع المسؤولية والحرية يرتبط اشد
الارتباط بجوهر الانسان، فكما اننا نقول في مجال الفلسفة ان الانسان حيوان عاقل
مهما كانت حدوده الزمكانية، ومهما كانت ظروفه وسنه وجنسه، نقول ايضا انه كائن
مسؤول بقطع النظر عن وضعه واحواله وسنه وجنسه.
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي