المقالة الجدلية الأولى : حول إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية
نص الموضوع : هل يمكن إخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟
هل يمكن التجريب في البيولوجيا في ظل العوائق المطروحة؟
- طرح المشكلة : تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ،
الأمر الذي جعل البعض يؤمن أن تطبيق خطوات المنهج التجريبي عليها بنفس
الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، و يعتقد
آخرون أن المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بإمكانية
إخضاعها للدراسة التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على
المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
– محاولة حل المشكلة :
1-
أ- الاطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر
الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ تعترض
ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس ذاته
و هو المادة الحية ، و بعضها الأخر إلى يتعلق بتطبيق خطوات المنهج
التجريبي عليها .
1-ب- الحجة : و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة
بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات
الحية تتكاثر عن طريق التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء .
ثم إن المحافظة على توازن الجسم الحي يكون عن طريق التغذية التي تتكون من
جميع العناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من
المراحل التي هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و
سبب للمرحلة اللاحقة . هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها
صفة الحياة من خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من
الوظائف تقوم بها جملة من الأعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و
إذا اختل العضو تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز
الكائنات الحية – أيضا – بـالوحدة العضوية التي تعني أن الجزء تابع للكل و
لا يمكن أن يقوم بوظيفته إلا في إطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود إلى أن
جميع الكائنات الحية – باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
بالإضافة
إلى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق بالمنهج المطبق
و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق يصادفنا على مستوى
المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و
متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا
ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل
نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الأجزاء العضوية الحية فيما
بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو أثناء
قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة
غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم إن عزل العضو قد يؤدي إلى موته ،
يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : « إن سائر أجزاء الجسم الحي مرتبطة
فيما بينها ، فهي لا تتحرك إلا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل
جزء منها معناه نقلها من نظام الأحياء إلى نظام الأموات ».
و دائما
على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن
المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و
الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن
تغير المحيط من وسط طبيعي إلى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و يخلق
اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن .
و معلوم أن التجريب في المادة
الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات والفرضيات
، و إذا كان الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار
الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا
يؤدي دائما إلى نفس النتيجة ، مثال ذلك أن حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا
يؤثر فيه في المرة الأولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة
تؤدي إلى موته ، مما يعني أن نفس الأسباب لا تؤدي إلى نفس النتائج في
البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم إمكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة
في البيولوجيا ، علما أن التجريب و تكراره يستند إلى هذا المبدأ .
و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة
سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي
وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة
نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف
يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث .
وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع أفراد الجنس الواحد ، بحيث أن
الكائن الحي لا يكون هو هو مع الأنواع الأخرى من الكائنات ، ويعود ذلك إلى
الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي .
1-جـ- النقد : لكن هذه مجرد
عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور كعلم يضاهي
العلوم المادية الأخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما أن هذه العوائق كانت
نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم
الكيمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها .
2-أ- نقيض الأطروحة : وخلافا
لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن إخضاع المادة الحية إلى المنهج التجريبي ،
فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ، وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين
الفيزيائية- الكميائية أي يمكن دراستها بنفس الكيفية التي ندرس بها المادة
الجامدة . ويعود الفضل في إدخال المنهج التجريبي في البيولوجيا إلى العالم
الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) متجاوزا بذلك العوائق المنهجية التي صادفت
المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي .
2-ب- الأدلة : و ما يثبت ذلك ،
أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة كالأوكسجين و
الهيدروجين و الكربون و الآزوت و الكالسيوم و الفسفور ... فإنه يمكن دراسة
المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .
هذا على مستوى طبيعة الموضوع ،
أما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن القيام بالملاحظة الدقيقة على
العضوية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء عن بعضها ، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم
بوظيفتها ، و ذلك بفضل ابتكار وسائل الملاحظة كالمجهر الالكتروني و الأشعة
و المنظار ...
كما أصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة
إلى إبطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي فيمكن
بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كيميائية خاصة .
2-جـ-
النقد : ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة علمية على
غرار المادة الجامدة ، غير أن ذلك تصادفه جملة من العوائق و الصعوبات تكشف
عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه إذا كانت الظواهر الجامدة تفسر
تفسيرا حتميا و آليا ، فإن للغائية اعتبار و أهمية في فهم وتفسير المادة
الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد لا تكون للمعرفة
العلمية علاقة بها .
3- التركيب : و بذلك يمكن القول أن المادة الحية
يمكن دراستها دراسة العلمية ، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف
عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث يمكن للبيولوجيا أن تستعير المنهج
التجريبي من العلوم المادية الأخرى مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول
كلود بيرنار : « لابد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من الفيزياء و الكيمياء
المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و قوانينه الخاصة ».
-
حل المشكلة :وهكذا يتضح أن المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى
المنهج خاصة ، يعود أساسا إلى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ،
والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك
العقبات التي تعترضه تدريجيا .
....................
منقول
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي