من نعم الله علينا أن خلق لنا غلافاً جوياً للأرض، وإضافة لمهامه المتعددة، فهناك أهمية كبيرة له في حماية المخلوقات على الأرض من تلك الأجسام التائهة في الفضاء (والتي
هي، غالباً حطام لأحد الكواكب المجموعة الشمسية كان قد تحطم منذ زمن سحيق)
وتتراوح كتلتها ما بين الجرامات إلى ملايين الأطنان. هذه الأجسام على
مسافة قريبة منها نسبياً. ولولا وجود الغلاف الجوي للأرض لحدث ارتطام لهذه
الأجسام بسطح الأرض في كل دقيقة، بل وفي كل ثانية مسببة حفرات (يتراوح
قطرها من سنتيمترات إلى كيلومترات) مع تحول الطاقة الميكانيكية لهذه
الأجسام إلى طاقة حرارية هائلة بعد الارتطام[4].
والغلاف الجوي للأرض يمنع وصول هذه الأجسام الفضائية الضالة إلى سطح الأرض،
وذلك نتيجة لسرعاتها العالية عند دخولها في الغلاف الجوي للأرض، فينتج من احتكاكها بجزيئات الهواء تولّد حرارة عالية تؤدي إلى احتراق هذه الأجسام وفنائها وتلاشيها قبل وصولها إلى سطح الأرض،
وتسمى في هذه الحالة (الشهب)، إلا أن نسبة ضئيلة جداً تستطيع الوصول إلى
سطح الأرض والارتطام به، وتسمى (النيازك)، كما حدث في الحفرة الكبيرة في
صحراء الأريزونا، والحفر المسماة (حفر الوبر) بالربع الخالي في المتحف
الطبيعي بلندن. كما أن المتحف الجيولوجي بكورنيش النيل (بالمعادي ـ
القاهرة) يحوي بعض النيازك الصغيرة التي تم العثور عليها في الصحراء
المصرية.
كما أن الغلاف الجوي للأرض ليس نعمة من الله لحماية
المخلوقات من خطر الأجسام الفضائية والأقمار الصناعية فقط، ولكن أيضاً
لحمايته من حطام الصواريخ والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية التي انتهت
مهمتها أو فشلت في الابتعاد عن الأرض بقدر كافي ـ حيث تجذب الأرض
هذا كله لتنطلق بسرعات عالية داخل الغلاف الجوي، لتحترق بالكامل أو معظمها
داخل الغلاف الجوي وقبل وصولها لسطح الأرض وإحداث كوارث. وصدق الله العظيم
في قوله الكريم: (ألم ترى أن الله سخر لكم ما في
الأرض، والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا
بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم)[الحج: 65].
وإضافة إلى ذلك، تعتبر طبقة الأوزون (بالغلاف
الجوي العلوي للأرض) من نعم الله الكبيرة على الإنسان وسائر المخلوقات
بالأرض، فبدون وجود هذه الطبقة تتسلل إلينا أشعة الشمس فوق البنفسجية من
النوع : (C)، وهي أشعة ذات طاقة عالية ويمكنها أن تهلك الحياة على الأرض
بالكامل في أيام معدودة. نتيجة للإستخدام المكثف الإنسان لمادة (الفريون)
(CFCكلوروفلوروكاربون) في أجهزة التبريد والتكييف، ثم تصاعد هذا الغاز
لطبقات الجو العليا، كان السبب الأساسي وراء تحطم الأوزون وتحوله إلى
أكسجين خلال القرن العشرين، وذلك لأن غاز الأوزون له قدرة عالية على امتصاص
الأشعة فوق البنفسجية من النوع (C) بينما الأكسجين ليس له هذه الخاصية.
ونتج عن ذلك ما يسمى (بثقب الأوزون)
فوق القارة المتجمدة الجنوبية، وأمكن رصده من محطات أرضية، وكذلك أمكن
تصويره عن طريق الأقمار الصناعية (ومنها القمر الصناعي نيمبوس V، التابع
لوكالة الفضاء الأمريكية " ناسا" ورغم أن الأوزون لم ينعدم تماماً في منطقة
الثقب، فتركيزه أصبح أقل من الطبيعي، إلا أن نتائجه كانت خطيرة على سكان
جنوب أستراليا ونيوزيلندا، ومنها إصابة الناس
هناك بسرطان الجلد، وعتمة عدسة العين، وتقليل المناعة الطبيعية للجسم،
وإعاقة عملية التمثيل الضوئي (البناء الضوئي) للنباتات، وهي مصدر الأكسجين
اللازم للحياة.
ولا ننكر أن هناك أسباب طبيعية أخرى، كالغازات الخارجة من البراكين والأشعة
القادمة من الكون، تؤدي إلى تحطيم الأوزون بطبقات الجو العليا للأرض، إلا
أن تدخل الإنسان في ميزان الطبيعة و استخدامه المكثف لمادة (الفريون) ويبقى
هو السبب الرئيسي لحدوث هذا الثقب. لذلك فإن هناك قرارات وتوصيات وضعت في
مؤتمرات دولية من أجل الحد من استخدام هذه المادة وإيجاد مادة بديلة ليس
لها تأثير سلبي على البيئة العالمية. ومن معجزات الله في خلقه (والتي
أثبتها العلم الحديثه) أن طبقة الأوزون هذه لم تكن موجودة منذ مليارات
السنين في الغلاف الجوي البدائي للأرض، وكانت أشعة الشمس من النوع (C)
وقتذاك يمكنها الوصول إلى سطح الأرض وإلى أعماق المحيطات، وكانت هي السبب
الأول في إشعال الحياة على سطح الأرض بأمر الله، حيث أن هذه الأشعة ذات
الطاقة العالية تساعد في تحويل المواد الغير عضوية إلى مواد عضوية ,إلى
أحماض أمينية، وهي الخطورة الأولى نحو قيام الحياة. ثم أراد الله أن يحمي
الحياة بعد ذلك من هذه الأشعة القاتلة فخلق طبقة الأوزون في مرحلة تالية.
وكان هذا سبباً من الأسباب التي دعت بعض علماء الكيمياء الحيوية الفضائية
في الغرب للعودة مرة أخرى إلى الإيمان بالله، وأن الحياة لا يمكن أن تكون
قد نشأت في الأرض والكون بالمصادفة، بل إنها من خلق وتدبير إله قادر، قوي،
عظيم، حكيم، سبحانه القائل في كتابه الكريم: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)[الأنبياء/16].(والسماء ذات الرجع)[الطارق:11].
فسر بعض العلماء هذه الآية على أنه قسم من الله بالسماء ذات المطر الذي
يعود ويتكرر، وأنها إشارة علمية في القرآن الكريم عن دورة الماء في
الطبيعة، إلا أن هذه الآية الكريمة(المكونة من ثلاث كلمات فقط) تحوي في
مضمونها الكثير من الحقائق العلمية التي تم اكتشافها خلال القرن العشرين،
على ضوء علوم وتكنولوجيا الفضاء، فالطبقة الأولى
للغلاف الجوي للأرض (التربوسفير) يصعد بداخلها بخار الماء، نتيجة بتخير
مياه البحار، والمحيطات بأشعة الشمس، فيكوّن في النهاية السحب السميكة التي
ترتحل من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض بفعل الرياح. هذه السحب تقوم بإعكاس (ترجيع) أشعة الشمس الساقطة عليها إلى الفضاء الخارجي مرة ثانية (بمقدار قد يصل إلى 80أو 90بالمائة)،
بجانب امتصاصها لجزء من هذه الأشعة وتشتيته. ولولا هذا الإنعكاس لأشعة
الشمس بالسحب لارتفعت درجة حرارة سطح الأرض (والتربوسفير) بحث لا تسمح
بقيام أو استمرار الحياة على الأرض. ويبلغ متوسط الأشعة المعكوسة للفضاء
الخارجي (نتيجة السحب وسطح الأرض والمياه بالبحار والمحيطات على مدار
السنة) بمقدار 50%، من مجموع الأشعة الشمس الساقطة على الأرض.
وفي أوائل القرن العشرين، ومع اكتشاف أشعة
الراديو والبث الإذاعية والاتصالات اللاسلكية، أتضح أن أشعة الراديو تنعكس
على طبقات الجو العليا (على ارتفاع يتراوح ما بين 90إلى 120كيلومتر) على
طبقة سميت (الأيونوسفير) لأنها طبقة تحوي أيونات موجبة وإلكترونات حرة سالبة’ واتضح بعد ذلك أن سبب هذا التأين هو أشعة إكس الصادرة من الشمس بحيث تقوم هذه الأشعة بتأيين الذرات المتعادلة إلى أيونات وإلكترونات حرة(نتيجة لطاقتها العالية) في عملية تسمى (التأين الفوتوني) Photoinonization.
وهذه من نعم الله الكبرى علينا إذ لولا وجود هذه الطبقة لهلكت كل المخلوقات
بالأرض (بسبب أشعة إكس الصادرة من الشمس)، بجانب الاستفادة منها الآن في
إعكاس (ترجيع) أشعة الراديو، وفي أغراض البث الإذاعية والاتصال اللاسلكي
عبر المسافات الطويلة.
وقد تم اكتشاف أشعة إكس الصادرة من الشمس بعد غزو الفضاء، وذلك بقياس هذه
الأشعة في بداية السبعينات من القرن العشرين الميلادي بسلسلة الأقمار
الصناعية الأمريكية GOESوقد أتضح أن كل حزمة من أشعة إكس تختص بتأيين جزء
معين من طبقة الأيونوسفير، لذلك فهذه الطبقة تقسم إلى ثلاث طبيقات بالحروف
D,E,&Fوكل طبقة لها خاصية معينة في عكس أشعة الراديو عند أطوال موجبة
معينة. وعند حدوث انفجارات شمسية يحدث اضطرابات مفاجئ في طبقة الأيونوسفير
يؤثر على الأتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي.
ألا تستحق (والسماء ذات الرجع) بأن تكون جزءً من قسم الله بعد ما تضمنته من
هذه النعم والفوائد والحقائق العلمية ورحمة الله بالإنسان والمخلوقات
الحية؟؟. وهكذا يقرر القرآن في نص صريح وآية بليغة واضحة (والسماء ذات
الرجع) عدة حقائق علمية مدهشة، لم يكشف عنها إلا خلال القرن العشرين، في ظل
علوم وتكنولوجيا الفضاء، ليؤكد لنا منذ أربعة عشر قرناً حقيقة علمية كونية
هامة.
رسم توضيحي ل "الماجنيتوسفير (اللون الأزرق)
وهناك صورة أخرى للسماء ذات الرجع للفضاء الخارجي، هي ما يسمى (بالماجنتوسفير)
فالشمس هي أقرب نجم للأرض، وهي كرة هائلة من الغاز، يفوق حجمها وكتلتها
حجم وكتلة الأرض مئات المرات، وكثافتها حوالي ربع كثافة الأرض، ويتكون
الغلاف الجوي للشمس من ثلاث طبقات رئيسية [5].
وفي الأحوال العادية عند رصد الشمس أثناء الشروق أو الغروب بالعين المجردة
أو التلسكوبات، فإننا نرى فقط طبقة الفوتوسفير، إما الطبقتين ـ الكرموسفير
والإكليل ـ فلا يمكن رؤيتهما إلا أثناء الكسوف الكلي للشمس، حيث تبدو طبقة
الكروموسفير كحلقة حمراء تحيط بقرص الشمس المظلم نتيجة لاحتجابه وراء قرص
القمر، ويبدوا الإكليل كهالة بيضاء لؤلؤية، قد تكون صغيرة إذا كان الكسوف
في سنوات هدوء النشاط الشمسي وتبدوا كبيرة في سنوات النشاط الشمسي العالي.
وطبقة الإكليل، رغم بعدها عن سطح الشمس، إلا أن درجة حرارتها تزيد عن
المليون درجة، بينما درجة حرارة سطح الشمس لا تتجاوز ستة آلاف درجة كلفن،
وهذا الارتفاع الشاذ في درجة الحرارة هو نتيجة لتكسر الموجات الصوتية
المنبعثة للغليان عند سطح الشمس على طبقة الإكليل وتحول الطاقة الحركية
للموجات الصوتية إلى طاقة حرارية، وهذه الحرارة العالية للإكليل تجعل
المواد المكونة للإكليل في حالة بلازما، ويتحول الهيدروجين والهليوم (وهما
المكونان الأساسيان) إلى أيونات موجبة وبروتونات وإلكترونات ذات سرعات
حرارية عالية، مما يمكنها من الهرب من الإكليل إلى الفضاء الخارجي، بالرغم
من جاذبية الشمس العالية جداً.
تسبح هذه الدقائق المشحونة الهاربة من إكليل الشمس في الفضاء الخارجي
لمسافات طويلة حتى تتجاوز أبعد كواكب المجموعة الشمسية (بلوتو)، ثم إلى
فضاء ما خارج المجموعة الشمسية، وتسمى(بالرياح الشمسية) .
الرياح الشمسية
وتتوقف سرعة هذه الرياح ومكوناتها وكثافتها على حالة الشمس، فهي في حالة
هدوء النشاط الشمسي تكون سرعتها 300ـ 600كيلو متر /ثانية، وكثافة تتراوح ما
بين 1إلى 10جسيم /سم3، وفي حالة هدوء النشاط الشمسي، ونتيجة
لحدوث الإنفجارات الشمسية في الغلاف الجوي للشمس، فإن سرعة هذه الرياح
تزداد إلى ألف كيلومتر/ثانية، كما تتضاعف كثافتها وتتغير نسب مكوناتها...!!
هذه الرياح الشمسية (بدقائقها المشحونة) تشبه أشعة ألفا وبيتا من
الانفجارات الذرية والنووية على سطح الأرض.. أي أنها أشعة مهلكة لكل صور
الحياة على الأرض.. ولولا رعاية الله ورحمته لهذا المخلوق الضعيف الذي خلقه
(وهو الإنسان) لكان الجنس البشري وما يحيط به من بيئة حية في خبر كان ..
تتجلى عظمة الله ورحمته في خلقه درعاً مغناطيسياً حول الأرض لا يمكن لهذه الدقائق المشحونة أن تخترقه بل تدور حوله إلى أن تذهب بعيداً عن الأرض.. هذا الدرع هو طبقة (المجنتوسفير) أو ما يسمى (بحزام فان ألن)،
الذي تم اكتشافه بعد غزو الفضاء في الستينات من القرن العشرين الميلادي،
وهو امتداد لخطوط القوة المغناطيسية الخارجية من الأرض لآلاف الكيلومترات
في الفضاء الخارجي المحيط بها، ولا يمكن رؤيتها. وصدق الله العظيم إذا يقول
(الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) [الرعد:1].
الكاتب: الأستاذ الدكتور مسلم شلتوت :: أستاذ بحوث الشمس والفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفزيقية بحلوان
المصدر: موقع "موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة"
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي