الأزمنة الجيولوجية وأهميتها الجغرافية
إن قشرة الأرض الحالية لم تنشأ دفعة واحدة، حيث يمكن القول أن قشرة الأرض الأولى ليس لها وجود الآن، فكل من الأزمنة والعصور الجيولوجية أحدث بسطح الأرض تغيرات جديدة؛ حيث تفتت طبقات ونقلت إلى جهات بعيدة، وطبقات أخرى تكونت فى قاع البحار والمحيطات ثم أصبحت بعد ذلك يابسة، أو تحول يابس إلى مسطحات مائية، وما تعرض له سطح الأرض من التواءات وانكسارات وثورانات بركانية غيرت من أشكال سطح الكرة الأرضية، وقد ساعدت هذه الحركات على تكون قارات ( تسمى حركته epirogenic) ومنها ما أدى لتكون الجبال ( وتسمى حركته orogenic ).
لم تحدث هذه التغيرات التى أصابت سطح الأرض طفرة واحدة، بل كانت تستغرق زمناً طويلاً، وكانت بعض الأزمنة فى حالة نشاط وتغير، وفى بعضها الآخر كان الهدوء النسبى هو السائد، وعلى أساس ذلك قسم الجيولوجيين تاريخ الكرة الأرضية إلى أزمنة، وقسموا الأزمنة إلى عصورها ـ وربطوا بينها وبين تقلبات قشرة الأرض وتكوين الطبقات والوقت الذى حدث فيه التغير .
وتأتى أهمية دراسة الأزمنة الجيولوجية، أنه بدون التعرف عليها يصعب على الجغرافى أن يفهم الكثير من الظاهرات الطبيعية التى يقابلها فى دراسته، لذلك كان من الواجب فهم المبادىء العامة التى قامت على أساسها فكرة الأزمنة الجيولوجية، وترتيب الأزمنة نفسها، فحتى ولو كانت الظاهرة جغرافية بحتة فإنها ذات اتصال وثيق مع التطور الجيولوجى للقشرة الأرضية، وللوقوف علي تطورها يجب التعرف عليها جيولوجيا، وقد قامت الأزمنة الجيولوجية على خمسة أسس هى :
1– الدورة cycle : يجب أن نعرف أن حالة سطح الأرض بعيدة كل البعد عن الثبات والدوام على صورة واحدة، فاليابس قد يتحول إلى بحر والبحر قد يتحول إلى يابس، وقد يتصل البحر المغلق بالمحيط، والبحر المتصل بالمحيط قد ينفصل عنه ويتحول إلى بحر مغلق، وللجبال دورة بحيث تُنحت ذراتها ثم تُحمل أجزاؤها بواسطة الأنهار إلى المحيط، ثم تأتى الاضطرابات الأرضية لترتفع أرض جديدة من تحت مياه البحار والمحيطات، وكما للجبال دورة فإن للأنهار أيضاً دورة، لذلك توصف بعض الجبال بأنها قديمة وأخرى حديثة، وتوصف كذلك الأنهار بالفتية القوية في مرحلة الشباب والأخرى التى وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ومعنى القديم والحديث أنها ترتبط بالأزمنة والعصور الجيولوجية.
2- لا تتأثر الطبقات القديمة شديدة الصلابة بالاضطرابات الحديثة إلا تأثراً محدوداً، وكانت أحدث الاضطرابات العنيفة التى أصابت القشرة الأرضية، هى التى كانت سبباً فى تكوين جبال الألب الأوربية ومرتفعات وسط آسيا ومنها جبال الهمالايا، وسلاسل جبال الروكى بغرب أمريكا الشمالية وجبال الإنديز بغرب أمريكا الجنوبية ، وجبال أطلس بشمال غرب إفريقيا، ولم يتأثر باقى قارة إفريقيا بهذه الحركة بسبب أنها طبقات قديمة شديدة الصلابة، وبالتالى للوقوف على اختلاف التضاريس بين قارة وأخرى لابد من التعرف على تتابع الأزمنة الجيولوجية.
3- يصعب تفسير التشابه الغريب فى بعض الظاهرات الطبيعية، ما لم نربطها كلها بحركات حدثت فى زمن واحد، حيث يتشابه اتجاه الجبال الإلتوائية بوجه عام، إذا كانت قد تكونت فى زمن جيولوجى واحد، فمثلاً معظم جبال الألب فى جنوب أوربا تأخذ نفس الاتجاه الذى تأخذه مرتفعات وسط آسيا باتجاه عام من الغرب إلى الشرق، واتجاه غرب الأمريكتين من الشمال إلى الجنوب، وبرغم بعض الشذوذ الذى يمكن تفسيره بمقاومة الطبقات القديمة، فمثلاً يوجد تشابه فى الظاهرات الأتية شكل رقم (24) .
أ – إلتواء جبال ترانسلفانيا والبلقان.
ب – إلتواء الجبال شمال وجنوب مضيق جبل طارق.
جـ – إلتواء الجبال حول غربى حوض نهر البو فى شمال إيطاليا.
ويرجع هذا التشابه الكبير إلى اتحاد ظروف التكوين وليس للصدفة.
4 – تدل الحركات البركانية ونشاطاتها فى الغالب على اضطرابات حديثة فى الإقليم، فمثلاً إيطاليا هى أحدث أجزاء أوربا من حيث التكوين، وبدون التعرف على الأزمنة الجيولوجية وترتيبها، لا يستطيع الإنسان أن يفهم البراكين الخامدة والثائرة وتوزيعها.
5 – يفيد الإلمام بالأزمنة الجيولوجية الجغرافى كثيراً فى التعرف على الحالة الجغرافية القديمة لبعض القارات (Palaeogeography) من حيث اتصالها بعضها ببعض أو انفصالها بعضها عن بعض، أى توزيع الماء واليابس فى مختلف الأزمنة الجيولوجية.
تقدير عمر الطبقات :
لكى يتعرف الجيولوجى على تاريخ الطبقات وبالتالى العمر الافتراضى للأرض، فلابد أن يدرس الصخور التى تتألف منها القشرة الأرضية، وخاصة طبقات الصخور الرسوبية، وأهم ما يساعد الجيولوجى فى دراسته بقايا الكائنات الحية التى كانت تعيش فى كل زمن وعصر جيولوجى، وهذه البقايا هى التى نسميها الحفريات (Fossils). وبالطبع هناك طبقات ليس فيها بقايا كائنات مطلقاً، وذلك لأنها تكونت فى عهد قديم جداً، بحيث لم تكن على الأرض حياة من النوع الذى نراه الآن، أو أن الحياة كانت تتمثل فى كائنات لم تكن من شأنها أن تترك آثاراً فى الصخور أي أنها كائنات لافقارية، وفى بعض الأحيان قد تخلو الطبقات من بقايا الكائنات لأنها تكونت فى ظروف لا تساعد على الحياة كأن تكون الرواسب صحراوية مثلاً، وفى هذه الحال نستدل على عمر هذه الطبقات بمقارنتها بما تحتها وما فوقها من الطبقات.
وتحتوى الطبقات على آثار بقايا كائنات حية من أنواع أهمها :
1- العظام والمحاور الذى يوجد فى الطبقات حديثة التكوين، وأن تكون البيئة صالحة لحفظ البقايا العضوية دون أن تصاب بالتحلل.
2- أن توجد صورة الجسم مطبوعة داخل الصخر، بعد أن يتحلل الجسم نفسه ويزول تماماً.
3- صورة الفراغ الداخلى للجسم بعد أن تتحلل مادة الجسم العضوية.
4- صورة دقيقة كاملة لجسم الحيوان أو النبات بعد أن تتحلل مادته العضوية بالتدريج، ويحل محله الصخر الموجود فيه الجسم، ولا يحدث ذلك إلا فىظروف ملائمة جداً، فإذا تحلل الشجر وحلت محله مادة السيليكا، فإنا نستطيع أن نرى تحت الميكروسكوب، أو حتى بالعين المجردة النسيج الخشبى الأصلى لتلك الأخشاب المتحجرة.
وتكونت هذه الحفريات الواسعة الانتشار فى شكل طبقات فى قيعان المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار والمستنقعات، كما تترك كثيراً من الحيوانات والكائنات البرية آثارها فى التربة وتتحول مع الزمن إلى حفريات، وتتشابه الحفريات فى الطبقات التى تكونت فى عصر جيولوجى واحد، بينما تختلف بقدر الاختلاف بين الأزمنة والعصور الجيولوجية، وعلى ذلك تتوقف أهمية هذه الحفريات على ما يلى :
1- دلالتها على تقدير عمر الطبقات، وعلى ترتيبها الأقدم فالأقدم، ويمكن الاستدلال على قدم الطبقات النسبى عادة بوضعيتها فى الطبقات، حيث توجد الحفريات الأقدم فى الطبقات السفلى الأقدم والعكس، ولا يحدث ذلك إلا فى الطبقات التى لم يصيبها أى اضطراب ، ونظراً لأن كثيراً من الطبقات قد تعرضت للإلتواءات والانكسارات، مما أدى إلى تغيير ترتيبها فجعل عاليها سافلها، ومن ثم لا يمكن التعرف على عمرها إلا من خلال الحفريات.
2- دلالتها على الحالة الطبيعية للإقليم الذى توجد فيه، كأن تكون هذه الحفريات قد تكونت فى نهر أو بحر أو بحيرة أو مستنقع أو فوق اليابس .
3- دلالتها على المناخ، فلكل نوع من الكائنات ( حيوانت – نباتات) نوع خاص من المناخ لا يستطيع أن يعيش إلا فيه، فعند وجود هذه الكائنات فى صخور ترجع إلى زمن جيولوجى خاص دليل على أن الأحوال المناخية فى تلك الفترة كانت ملائمة لحياة هذه الكائنات ، وربما يتوافق أو يختلف هذا المناخ مع الأحوال المناخية السائدة فى الوقت الراهن, أى أن بقايا الكائنات فى الصخور القديمة وسيلة لتقرير ما إذا كان المناخ فى جهة ما قد تغير أو ظل على حاله من غير تغيير.
4 - دلالتها على تطور الحياة على سطح الأرض: حيث تنتقل الحياة من طور إلى آخر، فالكائنات الأولى كانت بسيطة فى تركيبها وقلة أنواعها، فمثلاً لم تظهر الأسماك إلا فى العصر السيلورى، بينما لم تظهر الزواحف والكائنات البرمائية إلا فى العصر الفحمى، وظهرت الحيوانات الثديية فى الزمن الميزوزوى ( الزمن الثانى)، وكانت حيوانات ثديية غير مشيمية، بينما ظهرت الحيوانات الثديية المشيمية فى الزمن الثالث فى العصر الإيوسين، أى أن كثيراً من الحيوانات التى نراها الآن لم تنشأ إلا فى آخر الأزمنة الجيولوجية.
وبدراسة الحفريات التى وجدت فى طبقات مختلفة، أمكن تقسيم الأزمنة الجيولوجية إلى عصور على النحو الذى نراه فى الجدول التالى .
وقد رتبت الأزمنة والعصور الجيولوجية فى الجدول من أسفل إلى أعلى، بأن جاءت الأزمنة الأقدم أسفل والأزمنة الأحدث أعلى، وذلك حتى تتوافق مع ترتيب الصخور والطبقات فى قشرة الأرض من أسفل إلى أعلى، إذا لم يصيبها أى اضطراب تكتونى، وقد قسم الجيولوجيون كل زمن إلى عصوره، بحيث يمثل كل عصر فترة من الفترات التى مرت وتكونت فيها مظاهر الحياة الخاصة بكل منها على سطح الأرض، وربطوا بين كل عصر من العصور وأنواع خاصة من الطبقات التى تضم كل منها أنواع من الحياة الحيوانية والنباتية التى تميزها عن غيرها .
وتختلف الأزمنة الجيولوجية من حيث فترتها الزمنية، أى أنها لسيت متساوية الطول، فيقدر المدى الزمنى للزمن الأركى بمدة تتراوح بين 1500 إلى 2000 مليون سنة، ويعنى ذلك استمراره لفترة تبلغ ثلاثة أو أربع مرات قدر باقى الأزمنة الجيولوجية التالية لها جميعاً، بينما امتد الزمن الأول الباليوزوى ( زمن الحياة القديمة ) بعصوره الستة حوالى 330 مليون سنة, وبلغ المدى الزمنى للزمن الثانى الميزوزى ( زمن الحياة الوسطى ) بعصوره الثلاثة حوالى 125 مليون سنة، والزمن الثالث الكينوزوى ( زمن الحياة الحديثة ) بعصوره الأربع حوالى 70 مليون سنة، والزمن الرابع بعصريه والذى بدأ منذ حوالى مليون سنة ولازال مستمرا حتي الآن.
ويرجع السبب فى اختلاف طول الأزمنة، وقصر طول مدة كل زمن عن الزمن السابق له، إلى أن الزمن الأول لم يكن يشتمل إلا على أنواع قليلة من الحيوانات والنباتات، وكان تطورها بطيئا جداً، وفى الزمن الثانى تعددت الأنواع ثم كثرت وتزايدت تزايداً هائلاً فى الزمن الثالث .
منقول من
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي