وُلِدَ عبد الله بن المقفعأو( رو**ه بن داذويه) كما كان يسمى سنة 106 هجرية ، في قرية "جور" ببلاد فارس ،وكان أبوه قد تولى الخراج للحجاج بن يوسف الثقفي أيام إمارته على العراق ، فمد يدهإلى أموال السلطان فضربه الحجاج ضرباً موجعاً حتى تقفعت يده ، فسُمِّيَالمقفع.
تثقف بالثقافة الفارسية ، وعرف الكثير عن آداب الهند واليونان ، ثمانتقل مع أبيه إلى مدينة البصرة حيث تشرَّب الثقافة العربية في ولاء "آل الأهتم" وهم قوم معروفون بالفصاحة والبلاغة ، وخالط الأعراب وأخذ عنهم مبادئ اللغة ، كماقرأ علي الشعراء والرواة واللغويّين المرموقين في عصره حتّي تمكّن من اللغةالعربيّة وآدابها ، وكانت البصرة آنذاك مَجْمع رجال العلم والأدب ، ومربدها الشهيرجامعة للأدباء والشعراء .
اشتهر في شبابه بسعة اطلاعه على آداب الحضاراتالفارسية والهندية واليونانية بالإضافة إلى فصاحة بيانه العربي وسلاسة أسلوبهالنثري ، ويسر له ذلك الاتصال بالأمراء والقواد والولاة ممن كانوا في أمس الحاجةإلى أمثاله في تولي وظائف الكتابة في دواوين الدولة.
ويعتبر ابن المقفع منالأدباء المخضرمين الذين عاصروا الدولتين الأموية والعباسية ؛ فعاش في ظل الأولى 25عاماً تقلَّد فيها الكتابة ليزيد بن عمر بن هبيرة والي الأمويين على العراق منقِبَل مروان بن محمد آخر خلفائهم ، ثم كتب لأخيه داود بن عمر بن هبيرة . وعاش في ظلالثانية 16عاماً اتصل فيها بعيسى بن علي بن عبد الله بن عباس عم السفاح والمنصور ،وكان ابن المقفع لا يزال مجوسياً فأسلم على يديه وكتب له ولازمه ثم قتل بسببه .
ويروى أنه لما أراد أن يسلم ، قال له عيسى بن علي: ليكن ذلك بمحضر من القوادووجوه الناس ، فإذا كان الغد فاحضر ، ثم حضر طعام عيسى عشية ذلك اليوم ، فجلس يأكلويزمزم على عادة المجوس ، فقال له عيسى: أتزمزم وأنت على عزم الإسلام ، فقال ابنالمقفع : أكره أن أبيت على غير دين.
أخلاقـــــــــــــــــه:
اشتهر ابن المقفع حتى قبلإسلامه بمتانة أخلاقه ؛ فكان كريماً ، عطوفاً ، عاشقاً لحميد الصفات ومكارمها ،شغوفاً بالجمال كما كان مؤمنًا بقيمة الصداقة ، وإغاثة الملهوف ، ومن الحكاياتالمشهورة التي تُروى عنه ، أن (عبد الحميد بن يحيى) كاتب الدولة الأموية الشهير ،اختبأ في بيت ابن المقفع بعد قتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية ، لكن رجالالدولة العباسية الناشئة توصلوا إليه ، ودخلوا عليهما بيت ابن المقفع ، وسألوهما: أيكما عبد الحميد بن يحيى؟ فقال كلاهما: "أنا" ولكن العباسيين عرفوا عبد الحميدوأخذوه إلى السفاح .
وكان رحمه الله شديد النبل والكرم ، متعهداً لذوي الحاجاتومقدراً للصداقة والصحبة ، يحمل نفسه على الأجدر والأنبل ، مجتهداً في وضع أسسإصلاح الراعي والرعية ، متمسكاً بآداب اللياقة ومتطلبات الذوق ، قال عنه الجاحظ : "كان جواداً فارساً جميلاً".
يروى عنه أن عيسى بن علي دعاه للغداء فأرسل إليهيقول: أعز الله الأمير لست اليوم للكرام أكيلاً لأني مزكوم ؛ والزكمة قبيحة الجوارمانعة من عشرة الأحرار..... ويعجب الناس بأدبه فيسألونه: من أدَّبَك.؟؟ فيقول: نفسي؛ إذا رأيت من غيري حسناً أتيته ، وإن رأيت قبيحاً أبيته.
مقتلـــــــه:
خرج عبدالله بن علي عم المنصور على المنصور ، مطالباً بالخلافة ، ووقعت بينهما حروب ،انتهت بغلبة المنصور على عمه ، فهرب عبد الله بن علي خوفاً من المنصور ، وسعى عيسىبن علي في الأمان لأخيه فرضي المنصور وأمر عيسى كاتبه عبد الله بن المقفع بكتابةعهد الأمان ، فتشدد ابن المقفع في أخذ العهود والمواثيق على المنصور حتى كتب عبارةتقول: "وإن أنا نلت عبد الله بن علي أو أحدًا ممن أقدمه معه بصغير من المكروه أوكبير ، أو أوصلت لأحد منهم ضرراً، سرًّاً أو علانية ، على الوجوه والأسباب كلهاتصريحاً أو كناية أو بجبلة من الجبل ، فأنا نفي من - محمد بن عبد الله - ومولودلغير رشدة ، ولقد حل لجميع أمة محمد خلعي وحربي والبراءة مني ، ولا بيعة لي في رقابالمسلمين ، ولا عهد ولا ذمة ، وقد وجب عليهم الخروج عن طاعتي ، وإعانة من ناوأني منجميع الخلق". فأسرَّها المنصور في نفسه ، وعزم على الإيقاع بابن المقفع ، ويروى أنهقال : أما من أحد يكفينيه ، فاغتنمها والي البصرة (سفيان بن معاوية) وكان حاقداًعلى ابن المقفع لخصومة شديدة وقعت بينهما ، وتلقف تهمة كانت شائعة في تلك الأياموهي تهمة الزندقة ، رمى بها البعض عبد الله بن المقفع _وقد ثبتت براءته منها_ فقتلهقتلة بشعة حيث قطع جسده قطعاً قطعاً ، ورماه في التنور ، وكانت آخر كلماته لسفيانبن معاوية : والله إنك لتقتلني ؛ فتقتل بقتلي ألف نفس، ولو قُتِل مائة مثلك لماوفُّوا بواحد.
آثـــــــاره:
خلَّف ابن المقفع آثاراً فكرية عظيمة الفائدة مثلتعصارة فكره وثمرة أدبه ترجم بعضها من لغاتها الأصلية وأبدع بعضها بقلمه ، ورغم غلبةما ترجم على ما ألف إلا أن مؤلفاته جاءت جامعة مانعة في مجالها ، وربما زاد فيالترجمة من ذات نفسه ما يضفي عليها قيمة وتألقاً ، مثال ذلك ما راج عند بعضالباحثين عن كتابه "كليلة ودمنه" من أنه هو مؤلفه ومبدعه ، أو على الأقل استفادالفكرة ونسج على منوالها مستخدماً قصص الحيوان رمزاً لعرض أفكاره السياسيةومعتقداته الفكرية وآرائه الإصلاحية .
الكتب التي ترجمها :
كتاب "فدينامه" فيتاريخ ملوك الفرس ،
كتاب "آبين نامه" في عادات الفرس ونظمهم ومراسم ملوكهم ،
وكتاب "التاج" في سيرة أنوشروان ،
وكتاب "الدرة اليتيمة والجوهرة الثمينة" في أخبار السادة الصالحين ،
وكتاب "مزدك" ،
وكتاب "قاطينورياس" في المقالات العشر ،
وكتاب "باري أرميناس" في العبادة ،
وكتاب "أيسافوجي" أو المدخل لفورفوريوس الصوري
، وكتاب "أنا لوطيقا" في تحليل القياس .
ومن مؤلفاته:
رسالة "الصحابة" وليس يعني بهاصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما هو المشهور في استعمال الكلمة ، وإنماعنى صحابة الولاة والخلفاء والأمراء ، وهي رسالة عظيمة النفع جليلة الفائدة تناولفيها ابن المقفع نظام الحكم ووجوه إصلاحه ، متحدثاً فيها عن الأنظمة التي يجب أنتراعي عند النظر إلى( القضاء والخراج والجند) ، طارحاً آراءه السياسية الجريئة فيكيفية إدارة الدولة الإسلامية المترامية الأطراف من خلال إصلاح حال المجتمع ورفعمستوى الجند مع منعهم من تولي الشؤون المالية والمدنية ، ووضع الأسس الكفيلة بضبطعائدات الخراج ، ووضع ما يشبه القانون القضائي حتى لا تترك الأحكام لاجتهاداتالقضاة الشخصية فيصيبوا مرة ويخطئوا مرات... وخطؤهم هلكة لغيرهم. ولا يخفى عليناالآن أن مثل هذه الأفكار هي التي تَدِّعي استحداثها المدنية الغربية وتباهي بها ،بينما هي تقبع في بطون الكتب عندنا لا تجد من يلتفت إليها
كتبـــــــــــــــــه :
أما أهم وأشهر كتب ابن المقفع على الإطلاق فهو كتاب "كليلة ودمنة" ، وهو مجموعة من الحكايات تدور علىألسنة الحيوانات يحكيها الفيلسوف بيدبا للملك دبشليم ، ويبث من خلالها ابن المقفعآراءه السياسية في المنهج القويم للحُكْم ، والمشهور أن ابن المقفع ترجم هذهالحكايات عن الفارسية ، وأنها هندية الأصل، لكن أبحاثًا كثيرة حديثة تؤكد أن كليلةودمنة من تأليف ابن المقفع وليست مجرد ترجمة ، كما أن بعض هذه الأبحاث يعتقد أنالآراء التي أوردها ابن المقفع في كليلة ودمنة كانت أحد الأسباب المباشرة لنهايتهالأليمة.
ومن كتب ابن المقفع الشهيرة كتاب "الأدب الكبير" الأدب الكبير أو الدرة اليتيمة كما يسميه عبارة عن كلمات مرتبة يدور أغلبها علىموضوعين شغلا ابن المقفع طوال حياته وهما السلطان والولاة وما يتصل بهما من أنظمةحكم وتقاليد دولة وطرائق معاملات ، والثاني الصداقة والصديق حيث قدَّر ابن المقفعالصداقة تقديراً كبيراً ، وأولاها اهتماماً عظيماً لأن الأصدقاء على حد قوله همعماد الحياة ومرآة النفس وتوائم الروح .
وكتاب الأدب الصغير فهو عبارة عن كلماتحكيمة في الأخلاق ، لا تسبر أغوار النفس ، ولا تغوص فيها ، ولا تحلل الخلق تحليلاًدقيقاً واسعاً مستوفى ولكنها عبارة عن جمل موجزة أشبه بالأمثال ، أو خطرات تولدت منتجارب صيغت في عبارات رقيقة رشيقة ، وليس ثمة رابط يربط بينها. شبهه أحمد أمين برجليقرأ في كتب مختلفة ، وكلما وجد كلمة أعجبته دوَّنها ، لذلك ترى كلمة في محاسبةالنفس ، وبجانبها كلمة في الصديق ، ثم كلمة في معاملة الناس بحسب طبقاتهم ، ثم فيتعادي الرأي والهوى......
أسلوبـــــــه :
وتميز ابن المقفع بأسلوبه الرشيق السهل ؛ فقد كان رأيهأن البلاغة هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها ، وكان ينصح باختيار ما سهلمن الألفاظ مع تجنب ألفاظ السَّفِلَة ، ويقول: "إن خير الأدب ما حصل لك ثمره وبانعليك أثره"وكان مع ذلك غزير المعاني ، دقيق الألفاظ ، يمعن في اختيار المعنى ، ثميمعن في اختيار اللفظ ، وقد ذكر في " زهر الآداب" أنهم قالوا: " كان قلم ابن المقفعيقف ، فسئل عن ذلك ، فقال: إن الكلام يزدحم في صدري فيقف قلمي لتخيره . وقال محمدبن سلام في رسائل البلغاء:"سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى منالخليل بن أحمد ولا أجمع ، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع".
وقالجعفر بن يحيى: " عبد الحميد أصل ، وسهل بن هارون فرع ، وابن المقفع ثمر ، وأحمد بنيوسف زهر
بقي لنا أن نعرف أن هذا العبقري قتل وهو في السادسة والثلاثين من عمرهوأن كل هذا النتاج الرائع أُبدع في هذا العمر القصير مما يدل على سعة عقله ، وعظمعبقريته ، وتميز أدبه .
-الحكاية المثلية:
تعتبر الحكاية المثلية من الأشكال السردية المتأصلة في التراث النثري العربي القديم، فالحكاية المثلية جعلت الأحداث تدور على ألسنه البهائم والطيور من حيث هي أقنعة لشخصيات آدميه محمله بآراء وسلوك تعكس واقع عصر ابن المقفع رغم الزعم بأنه ترجمها عن الفارسية بعد نقلها عن الهندية كما خرج عن طرق العرب في السرد بواسطة الرواية ، فهو لا يستقي الحكاية عن رواة بل العبارة التي تفتتح فعل السرد هي : ( زعموا أن .)ومنها يتفرع القص إلى حكايات صغرى مضمنة من أجل غاية أخلاقيه تعليمية )
- ما هدف ابن المقفع من ترجمة كتاب ( كليلة ودمنه)؟
إن ترجمة كتاب كليله ودمنه تدل دلاله واضحة أن ابن المقفع وضع نصب عينيه الظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية التي كانت سائدة في عصر ، فأبو جعفر المنصور حاكم مستبد قاس في أحكامه لا يتروع عن البطش والتنكيل والاستبداد حتى بأفراد البيت العباسي كل ذلك يشير إلى أن ابن المقفع استمد من صعره ومن شخصية المنصور ومن موقعه هو مفكرا العناصر الاساسيه في كتابه .
- لماذا نقل ابن المقفع كتاب كليله ودمنه الى العربيه:
لغاية أخلاقيه سياسيه متحسسا بذلك حاجة عصره إلى الإصلاح .
-
- مرجع متوفر في المكتبات التونسية:
يعرض هذا المصنَّف لعديد الجوانب المتصلة بكليلة ودمنة بعد تطرّقه لما أسماه المؤلفان في الفصل الأول من الباب الأول "من مميّزات القرن الثاني للهجرة"، فقد نظر في الحكاية المثلية تعريفا ووظائف كما اصطفي من حياة ابن المقفع ومؤلفاته ما رآه مفيدا للمتعلم أساسا. وقد حاول الباحثان الإحاطة بالأثر – ارتباطا بمبحث الحكاية المثلية فوقفا عند عديد المسائل البنيوية والدلالية كالزمان والشخصية والرّمز والتشويق والحجاج وغيرها
[
تقديم كتاب كليلة ودمنة
ويُجمع الباحثون علي أن الكتاب هندي الأصل، صنَّفه البراهما (وشنو) باللغة السنسكريتيّة في أواخر القرن الرابع الميلاديّ، وأسماه (بنج تنترا)، أي الأبواب الخمسة. ويُقال إنّ ملك الفرس (كسرَي آنوشروان) (531-579م) لما بلغه أمرُه أراد الاطّلاع عليه للاستعانة به في تدبير شؤون رعيّته، فأمر بترجمته إلي اللغة الفهلويّة -وهي اللغة الفارسية القديمة-، واختار لهذه المهمة طبيبه (بَرْزَوَيْه) لما عرف عنه من علمٍ ودهاء. إلاّ أنّ (برزويه) لم يكْتفِ بنقل (بنج تنترا)، بل أضاف إليه حكايات هندية أخرى، أخذ بعضها من كتاب (مهاباراتا) المشهور، وصَدّر ترجمته بمقدّمة تتضمّن سيرته وقصّة رحلته إلي الهند. وفي مُنتصف القرن الثامن الميلادي، نُقل الكتاب في العراق من الفهلوية إلي العربية، وأُدرج فيه بابٌ جديد تحت عنوان (الفحص عن أمر دمنة)، وأُلحقت به أربعةُ فصولٍ لم ترِدْ في النصّ الفارسي، وكان ذلك علي يد أديب عبقريٍّ يُعتبر بحقّ رائد النثر العربيّ، وأوّل من وضع كتابًا عربيًّا مكتملاً في السياسة، هو (عبد الله بن المقفَّع).معظم شخصيات قصص كليلة و دمنة عبارة عن حيوانات برية فالأسد هو الملك و خادمه ثور اسمه شتربة و كليلة ودمنة هما اثنان من حيوان ابن آوى و شخصيات أخرى عديدة هكذا تدور القصص بالكامل ضمن الغابة و على ألسنة هذه الحيوانات . هي قصة تقوم أساسا على نمط الحكاية المثلية . وهو كتاب وضع على السنة البهائم و الطيور و حوى تعاليم أخلاقية موجهة إلى رجال الحكم و أفراد المجتمع. يمثل العنوان عتبة من عتبات النص يحدد أفق انتظار القارىء . انبنى الكتاب على حكايات مثلبة اتخذ فيها الحيوان بديلا عن الإنسان و دليلا عليه فقامت على الإيحاء و الرمز فهو ينبنى على مبدأ الثنائيات خاصة ثنائية الظاهر و الباطن.كتاب كليلة و دمنة حافل بخرافات الحيوان لا يكاد يخلو منها باب من أبوابه حتى أبواب المقدمات و كل باب يحتوي على خرافة طويلة تتداخل فيها خرافات قصيرة تتفاوت طولا ترد في معارض استشهاد الشخصيات بها في محاوراتهم و تتداخل مع بعضها البعض أحيانا كما يتميز هذا الكتاب بأن أبوابه منتظمة على النحو التالي يبدأ دبشليم بقوله للفيلسوف بيدبا : عرفت هذا المثل و يشير إلى ما سبق في الباب الذي قيله أو بالقول : عرفت مثل فأضرب لي مثل فيعرض بيدبا ما يشبه العنوان المشروح المشوق لمعرفة المضمون ثم يسكت فيسارع دبشليم إلى السؤال : و كيف كان ذلك ؟ و هنا يبدأ الفيلسوف مستهلا بالقول : زعموا ثم يبدأ في السرد.كتاب كليلة و دمنة هو كتاب هادف فهو ليس مجرد سرد لحكايات تشتمل على خرافات حيوانية بل هو كتاب يهدف إلى النصح الخلقي و الإصلاح الإجتماعي و التوجيه السياسي فباب الفحص عن أمر دمنة يتناول موضوع عبثية محاولات المجرم للتهرب من وجه العدالة و أنه لا بد أن ينال قصاصه العادل كما يتناول هذا الباب واجبات السلطة القضائية و باب الحمامة المطوقة الذي يدعو إلى التعاون و باب الأسد و الثورالبوم و الغربان و باب الجرذ و السنور السياسة الخارجية و يقدم التوجيهات في هذا المجال و تقدم أبواب القردابن عرس ،الأسد و ابن آوى ، اللبؤة و الأسوار و الشغبر ، الناسك و الضيف ، الحمامة و الثعلب و مالك الحزين عظات أخلاقية فردية متنوعة المواضيع.[1] يكشف عن خفايا السياسة الداخلية في الدولة و صراع السياسين و تنافسهم و يقدم باب ايلاذ و بلاذ و ايراخت توجيهات في أصول الحكم و يتناول باب والغيلم، الناسك و
هذا كتاب كليلة ودمنة، وهو مما وضعه علماء الهند من الأمثال والأحاديث التي ألهموا أن يدخلوا فيها أبلغ ما وجدوا من القول في النحو الذي أرادوا. ولم تزل العلماء من أهل كل ملة يلتمسون أن يعقل عنهم، ويحتالون في ذلك بصنوف الحيل؛ ويبتغون إخراج ما عندهم من العلل، حتى كان من تلك العلل وضع هذا الكتاب على أفواه البهائم والطير. فاجتمع لهم بذلك خلالٌ. أما هم فوجدوا متصرفاً في القول وشعاباً يأخذون منها. وأما الكتاب فجمع حكمةً ولهواً: فاختاره الحكماء لحكمته. والسفهاء للهوه، والمتعلم من الأحداث ناشطٌ في حفظ ما صار إليه من أمر يربط في صدره ولا يدري ما هو، بل عرف أنه قد ظفر من ذلك بمكتوي مرقومٍ. وكان كالرجل الذي لما استكمل الرجولية وجد أبويه قد كنزا له كنوزاً وعقدا له عقوداً استغنى بها عن الكدح فيما يعمله من أمر معيشته؛ فأغناه ما أشرف عليه من الحكمة عن الحاجة إلى غيرها من وجوه الأدب.مقاصد الكتاب:وينبغي لمن قرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه التي وضعت له؛ وإلى أي غايةٍ جرى مؤلفه فيه عندما نسبه إلى البهائم وأضافه إلى غير مفصحٍ؛ وغير ذلك من الأوضاع التي جعلها أمثالاً: فإن قارئه متى لم يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني، ولا أي ثمرةً يجتني منها، ولا أي نتيجة تحصل له من مقدمات ما تضمنه هذا الكتاب. وإنه وإن كان غيته استتمام قراءته إلى آخره دون معرفة ما يقرأ منه لم يعد عليه شيءٌ يرجع إليه نفعه. ومن استكثر من جمع العلوم وقراءة الكتب؛ من غير إعمال الروية فيما يقرؤه، كان خليقاً ألا يصيبه إلا ما أصاب الرجل الذي زعمت العلماء أنه اجتاز ببعض المفاوز، فظهر لو موضع آثار كنز؛ فجعل يحفر ويطلب، فوقع على شيءٍ من عينٍ وورقٍ؛ فقال في نفسه: إن أنا أخذت في نقل هذا المال قليلاً قليلاً طال علي، وقطعني الاشتغال بنقله وإحرازه عن اللذة بما أصبت منه؛ ولكن سأستأجر أقواماً يحملونه إلى منزلي، وأكون أنا أخرهم، ولا يكون بقي ورائي شيءٌ يشغل فكري بنقله؛ وأكون قد استظهرت لنفسي في إراحة بدني عن الكد بيسير الأجرة أعطيهم إياها. ثم جاء بالحمالين، فجعل يحمل كل واحدٍ منهم ما يطيق، فينطلق به إلى منزله: فلم يجد فيه من المال شيئاً، لا قليلاً ولا كثيراً. وإذا كل واحدٍ من الحمالين قد فاز بما حمله لنفسه. ولك يكن له من ذلك إلا العناء والتعب: لأنه لم يفكر في آخر أمره. وكذلك من قرأ هذا الكتاب، ولم يفهم ما فيه، ولم يعلم غرضه ظاهراً وباطناً، لم ينتفع بما بدا له من خطه ونقشه؛ كما لو أن رجلاً قدم له جوزٌ صحيحٌ لم ينتفع به إلا أن يكسره؛ وكان أيضاً كالرجل الذي طلب علم الفصيح من كلام الناس؛ فأتى صديقاً له من العلماء، له علمٌ بالفصاحة، فأعلمه حاجته إلى علم الفصيح؛ فرسم له صديقه في صحيفة صفراء فصيح الكلام وتصاريفه ووجوهه؛ فانصرف المتعلم إلى منزله؛ فجعل يكثر قراءتها ولا يقف على معانيها. ثم إنه جلس ذات يومٍ في محفلٍ من أهل العلم والأدب، فأخذ في محاورتهم؛ فجرت له كلمةٌ أخطأ فيها؛ فقال له بعض الجماعة: إنك قد أخطأت؛ والوجه غير ما تكلمت به، فقال وكيف أخطئ وقد قرأت الصحيفة الصفراء؛ وهي في منزلي فكانت مقالته لهم أوجب للحجة عليه وزاده ذلك قرباٌ من الجهل وبعداً من الأدب.دواعي التأليف:ثم إن العاقل إذا فهم هذا الكتاب وبلغ نهاية علمه فيه، ينبغي له أن يعمل بنا علم منه لينتفع به؛ ويجعله مثالاً لا يحيد عنه. فإذا لم يفعل ذلك، كان مثله كالرجل الذي زعموا أن سارقاً تسور عليه وهو نائم في منزله، فعلم به فقال: والله لأسكتن حتى أنظر ماذا يصنع، ولا أذعره؛ ولا أعلمه أني قد علمت به. فإذا بلغ مراده قمت إليه، فنغصت ذلك عليه. ثم إنه أمسك عنه. وجعل السارق يتردد، وطال تردده في جمعه ما يجده؛ فغلب الرجل النعاس فنام، وفرغ اللص مما أراد، وأمكنه الذهاب. واستيقظ الرجل، فوجد اللص قد أخذ المتاع وفاز به. فأقبل على نفسه يلومها، وعرف أن لم ينتفع بعلمه باللص: إذ لم يستعمل في أمره ما يجب. فالعلم لا يتم إلا بالعمل، وهو كالشجرة والعمل به كالثمرة. وإنما صاحب العلم يقوم بالعمل لينتفع به؛ وإن لم يستعمل ما يعلم لا يسمى عالماً. ولو أن رجلاً كان عالماً بطريقٍ مخوفٍ، ثم سلكه على علمٍ به، سمي جاهلاً؛ ولعله إن حاسب نفسه وجدها قد ركبت أهواءً هجمت بها فيما هو أعرف بضررها فيه وأذاها من ذلك السالك في الطريق المخوف الذي قد جهله. ومن ركب هواه ورفض ما ينبغي أن يعمل بما جربه هو أو أعلمه به غيره، كان كالمريض العالم برديء الطعام والشراب وجيده وخفيفه وثقيله، ثم يحمله الشره على أكل رديئه وترك ما هو أقرب إلى النجاة والتخلص من علته. وأقل الناس عذراً في اجتناب محمود الأفعال وارتكاب مذمومها من أبصر ذلك وميزه وعرف فضل بعضه على بعض كما أنه لو أن رجلين أحدهما بصير والآخر أعمى ساقهما الأجل إلى حفرة فوقعا فيها، كانا إذا صارا في قاعها بمنزلةٍ واحدةٍ؛ غير أن البصير أقل عذراً عند الناس من الضرير: إذ كانت له عينان يبصر بهما، وذاك بما صار إليه جاهل غير عارف.وعلى العالم أن يبدأ بنفسه ويؤدبها بعلمه، ولا تكون غايته اقتناؤه العلم لمعاونة غيره، ويكون كالعين التي يشرب منها الناس ماءها وليس لها في ذلك شيءٌ من المنفعة، وكدودة القز التي تحكم صنعته ولا تنتفع به. فينبغي لمن يطلب العلم أن يبدأ بعظة نفسه، ثم عليه بعد ذلك أن يقبسه ؛ فإن خلالاً ينبغي لصاحب الدنيا أن يقتنيها ويقبسها: منها العلم والمال. ومنها اتخاذ المعروف. وليس للعالم أن يعيب أمراً بشيءٍ فيه مثله، ويكون كالأعمى الذي يعير الأعمى بعماه. وينبغي لم طلب أمراً أن يكون له فيه غايةٌ ونهايةُ، ويعمل بها، ويقف عندها؛ ولا يتمادى في الطلب؛ فإنه يقال: من سار إلى غير غاية يوشك أن تنقطع به مطيته؛ وأنه كان حقيقاً ألا يعني نفسه في طلب ما لا حد له، وما لم ينله أحد قبله، ولا يتأسف عليه؛ ولا يكون لدنياه مؤثراً على أخرته: فإن من لم يعلق قلبه بالغايات قلت حسرته عند مفارقتها. وقد يقال في أمرين إنهما يجملان بكل أحدٍ: أحدهما النسك والآخر المال الحلال ولا يليق بالعاقل أن يؤنب نفسه على ما فاته وليس في مقدوره؛ فربما أتاح الله ما يهنأ به ولم يكن في حسبانه. ومن أمثال هذا أن رجلاً كان به فاقةٌ وجوعٌ وعريٌ، فألجأه ذلك إلى أن سأل أقاربه أصدقاءه، فلم يكن عند أحد منهم فضل يعود به عليه. فبينما هو ذات ليلةٍ في منزله إذ أبصر بسارقٍ فيه؛ فقال: والله ما في منزلي شيءٌ أخاف عليه: فليجهد السارق جهده. فبينما السارق يجول إذ وقعت يده على خابية فيها حنطةٌ، فقال السارق: والله ما أحب أن يكون عنائي الليلة باطلاً. ولعلي لا أصل إلى موضع آخر، ولكن سأحمل هذه الحنطة. ثم بسط قميصه ليصب عليه الحنطة. فقال الرجل: أيذهب هذا بالحنطة وليس ورائي سواها؟ فيجتمع علي مع العري ذهاب ما كنت أقتات به. وما تجتمع والله هاتان الخلتان على أحدٍ إلا أهلكاه. ثم صاح بالسارق، وأخذ هراوةً كانت عند رأسه؛ فلم يكن للسارق حليةٌ إلا الهرب منه، وترك قميصه ونجا بنفسه؛ وغدا الرجل به كاسياً. وليس ينبغي أن يركن إلى مثل هذا ويدع ما يجب عليه من الحذر والعمل في مثل هذا لصلاح معاشه؛ ولا ينظر إلى من تواتيه المقادير وتساعده على غير التماس منه: لأن أولئك في الناس قليلٌ؛ والجمهور منهم من أتعب نفسه في الكد والسعي فيما يصلح أمره وينال به ما أراد. وينبغي أن يكون حرصه على ما طاب كسبه وحسن نفعه؛ ولا يتعرض لما يجلب عليه العناء والشقاء؛ فيكون كالحمامة التي تفرخ الفراخ وتذبح، ثم لا يمنعها ذلك أن تعود فتفرخ موضعها، وتقيم بمكانها فتؤخذ الثانية من فراخها فتذبح. وقد يقال: إن الله تعالى قد جعل لكل شيءٍ حداً يوقف عليه. ومن تجاوز في أشياء حدها أوشك أن يلحقه التقصير عن بلوغها. ويقال: من كان سعيه لأخرته ودنياه فحياته له وعليه. ويقال في ثلاثة أشياء يجب على صاحب الدنيا إصلاحها وبذل جهده فيها: منها أمر معيشته؛ ومنها ما بينه وبين الناس؛ ومنها ما يكسبه الذكر الجميل بعد. وقد قيل في أمورٍ من كن فيها لم يستقم له عملٌ. من التواني؛ ومنها تضييع الفرص؛ ومنها التصديق لكل مخبرٍ. فرب مخبرٍ بشيءٍ عقله ولا يعرف استقامته فيصدقه.وينبغي للعاقل أن يكون لهواه متهماً؛ ولا يقبل من كل أحدٍ حديثاً؛ ولا يتمادى في الخطأ إذا ظهر له خطؤه ولا يقدم على أمرٍ حتى يتبين له الصواب، وتتضح له الحقيقة؛ ولا يكون كالرجل الذي يحيد عن الطريق، فيستمر على الضلال، فلا يزداد في السير إلا جهداً، وعن القصد إلا بعداً؛ وكالرجل الذي تقذى عينه فلا يزال يحكها، وربما كان ذلك الحك سبباً لذهابها. ويجب على العاقل أن يصدق بالقضاء والقدر، ويأخذ بالحزم، ويحب الناس ما يحب لنفسه، ولا يلتمس صلاح نفسه بفساد غيره، فإنه من فعل ذلك كان خليقاً أن يصيبه ما أصاب التاجر من رفيقه. فإنه يقال إنه كان رجلٌ تاجرٌ، وكان له شريكٌ، فاستأجرا حانوتاً، وجعلا متاعهما فيه. وكان أحدهما قريب المنزل من الحانوت؛ فأضمر في نفسه أن يسرق عدلاً من أعدال رفيقه؛ ومكر الحيلة في ذلك، وقال: إن أتيت ليلاً لم آمن من أن أحمل عدلاً من أعدالي أو رزمة من رزمي ولا أعرفها؛ فيذهب عنائي وتعبي باطلاً. فأخذ رداءه، وألقاه على العدل الذي أضمر أخذه. ثم انصرف إلى منزله. وجاء رفيقه بعد ذلك ليصلح أعداله، فوجد رداء شريكه على بعض أعداله، فقال: والله هذا رداء صاحبي؛ ولا أحسبه إلا قد نسيه. وما الرأي أن أدعه هاهنا؛ ولكن اجعله على رزمه؛ فلعله يسبقني إلى الحانوت فيجده حيث يحب. ثم أخذ الرداء فألقاه على عدلٍ من أعدال رفيقه ومعه رجلٌ قد واطأه على ما عزم عليه، وضمن له جعلاً على حمله؛ فصار إلى الحانوت؛ فالتمس الإزار في الظلمة فوجده على العدل؛ فاحتمل ذلك العدل؛ وأخرجه هو والرجل، وجعلا يتراوحان على حمله؛ حتى أتى منزله، ورمى نفسه تعباً. فلما أصبح افتقده فإذا هو بعض أعداله؛ فندم أشد الندامة. ثم انطلق نحو الحانوت، فوجد شريكه قد سبقه إليه ففتح الحانوت ووجد العدل مفقوداً: فاغتم لذلك غماً شديداً؛ وقال: واسوءتاه من رفيق صالحٍ قد ائتمنني على ماله وخلفني فيه! ماذا يكون حالي عنده؟ ولست أشك في تهمته إياي. ولكن قد وطنت نفسي على غرامته. ثم أتى صاحبه فوجده مغتماً، فسأله عن حاله؛ فقال إني قد افتقدت الأعدال، وفقدت عدلاً من أعدالك، ولا أعلم بسببه؛ وإني لا أشك في تهمتك إياي؛ وإني قد وطنت نفسي على غرامته. فقال له: يا أخي لا تغتم: فإن الخيانة شر ما عمله الإنسان، والمكر والخديعة لا يؤديان إلى خيرٍ؛ وصاحبهما مغرور أبداً، وما عاد وبال البغي إلا على صاحبه: وكيف كان ذلك؟ فأخبره بخبره، وقص عليه قصته. فقال له رفيقه: ما مثلك إلا مثل اللص والتاجر. فقال له: وكيف كان ذلك؟ قال: زعموا أن تاجراً كان له في منزله خابيتان إحداهما مملوءة حنطة، والأخرى مملوءة ذهباً. فترقبه بعض اللصوص زماناً، حتى إذا كان بعض الأيام تشاغل التاجر عن المنزل؛ فتغفله اللص، ودخل المنزل، وكمن في بعض نواحيه. فلما هي بأخذ الخابية التي فيها الدنانير أخذ التي فيها الحنطة، وظنها التي فيها الذهب؛ ولم يزل في كدٍ وتعبٍ حتى أتى بها منزله فلما فتحها وعلم ما فيها ندم. قال له الخائن: ما أبعدت المثل، ولا تجاوزت القياس؛ وقد اعترفت بذنبي وخطئي عليك، وعزيز علي أن يكون هذا كهذا. غير أن النفس الرديئة تأمر بالفحشاء. فقبل الرجل معذرته، وأضرب عن توبيخه وعن الثقة به؛ وندم هو عندما عاين من سوء فعله وتقديم جهله. وقد ينبغي للناظر في كتابنا هذا ألا تكون غايته التصفح لتزاويقه. بل يشرف على ما يتضمن من الأمثال، حتى ينتهي منه؛ ويقف عند كل مثلٍ وكلمةٍ، ويعمل فيها رؤيته؛ ويكون مثل أصغر الاخوة الثلاثة الذين خلف لهم أبوهم المال الكثير، قتنازعوه بينهم؛ فأما الكبيران فإنهما أسرعا في إتلافه وإنفاقه في غير وجهه؛ وأما الصغير فإنه عندما نظر ما صار إليه أخواه من إسرافهما وتخليهما من المال، اقبل على نفسه يشاورها وقال: يا نفسي إنما المال يطلبه صاحبه، ويجمعه من كل وجهٍ: لبقاء حاله، وصلاح معاشه ودنياه، وشرف منزلته في أعين الناس، واستغنائه عما في أيديهم، وصرفه في وجهه: من صلة الرحم، والإنفاق على الولد، والإفضال على الإخوان. فمن كان له مالٌ ولا ينفقه في حقوقه، كان كالذي يعد فقيراً وإن كان موسراً. وإن هو أحسن إمساكه والقيام عليه، لم يعدم الأمرين جميعاً من دنيا تبقى عليه، وحمدٍ يضاف إليه؛ ومتى قصد إنفاقه على غير الوجوه التي علمت، لم يلبث أن يتلفه ويبقى على حسرةٍ وندامةٍ. ولكن الرأي أن أمسك هذا المال، فإني أرجو أن ينفعني الله به: ويغني أخوي على يدي: فإنما هو مال أبي ومال أبيهما. وإن أولى الإنفاق على صلة الرحم وإن بعدت، فكيف بأخوي؟ فأنفذ فأحضرهما وشاطرهما ماله، وكذلك يجب على قارئ هذا الكتاب أن يديم النظر فيه من غير ضجرٍ، ويلتمس جواهر معانية، ولا يظن أن نتيجة الإخبار عن حيلة بهيمتين أو محاورة سبعٍ لثورٍ: فينصرف بذلك عن الغرض المقصود. ويكون مثله مثل الصياد الذي كان في بعض الخلجان يصيد فيه السمك في زورق فرأى ذات يوم في أرض الماء صدفةً تتلألأ حسناً، فتوهمها جوهراً له قيمة وكان قد ألقى شبكته في البحر، فاشتملت على سمكةٍ كانت قوت يومه، فخلاها وقذف نفسه في الماء ليأخذ الصدفة، فلما أخرجها وجدها فارغة لا شيء فيها مم ظن. فندم على ترك ما في يده للطمع، وتأسف على ما فاته، فلما كان اليوم الثاني تنحى عن ذلك المكان، وألقى شبكته، فأصاب حوتاً صغيراً، ورأى أيضاً صدفة سنيةً، فلم يلتفت إليها، وساء ظنه بها، فتركها. فاجتاز بها بعض الصيادين فأخذها، فوجد فيها درةً تساوي أموالاً. وكذلك الجهال إذا أغفلوا أمر التفكير في هذا الكتاب، وتركوا الوقوف على أسرار معاني، وأخذوا بظاهره. ومن صرف همته إلى النظر في أبواب الهزل، كان كرجلٍ أصاب أرضاً طيبةًَ حرةً وحباً صحيحاً، فزرعها وسقاها، حتى إذا قرب خيرها وأينعت، تشاغل عنها بجمع ما فيها من الزهر وقطع الشوط؛ فأهلك بتشاغله ما كان أحسن فائدةً وأجمل عائدةً.جمهور الكتاب:
منقول
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي