[b]قال النبي صلى الله عليه وسلم
( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )
رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الدرس الأول:
النص القرآني:
قال الله تعالى: ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ
يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ
يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُواْ بِالاَلْقَابِ بِيسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الاِيمَانِ
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم
بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمُ أَنْ يَّاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ). سورة الحجرات الآية 10/13.
معنى المفردات:
-يسخر: يستهزئ ويحتقر.
-تلمزوا: تعيبوا، واللمّاز يطلق أيضاً على النمّام.
-تنابزوا: التنابز هو دعاء البعض للبعض بلقب يكرهه.
-اجتنبوا: تنحوا وابتعدوا.
-تجسّسوا: التجسّس هو استخدام الحواس في الوقوف على سيّئات الناس.
-يغتب: من الغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ويستقبح في غيبته.
المعنى الإجمالي للنص:
النص
القرآني المتقدّم تضمّن أربع آيات في الآداب الاجتماعية، وما يجب على
المؤمن الكامل الإيمان أن يتحلّى به من صفات محمودة تضمن له سعادة الدارين:
1)
واجب الأخوة في الدّين التي تستوجب على المؤمنين التعاون والتناصر
والتواصل والتناصح، والسعي في الخير إمّا بجلب الخير والمصلحة أو دفع الشر
والضرر، والتواصي على الحق وعلى التقوى.
2)
على المؤمن الكامل الإيمان المتصف بأخلاق الإسلام وآدابه ألّا يسخر من
غيره مستهزئاً ومحتقراً لما في ذلك من إظهار خُبث النفس وحقارتها وسوء
تربيتها، إذ كيف يتصوّر تكوين مجتمع صالح يسخر بعض أفراده من البعض الآخر
ويستهزئ، وقد يكون المستهزأ به خيراً عند الله من المستهزئ عملاً وتقوى
وصلاحاً ممّا يزيد في عظم الذنب وخبث المعصية.
والمؤمن
الحقيقي هو الذي لا يلمز أخاه ولا يعيبه، لأنّه في الحقيقة يعيب نفسه
وينقص من قدرها حيث لا يشعر حين يعيب أخاه، لما نعلمه جميعاً من كون
المسلمين كالجسد الواحد يتمّم بعضهم البعض الآخر.
كما يجب على المؤمن ألَّا يدعو وينادي
أخاه بالألقاب التي يكرهها والتي فيها تنقيص من قدره لما ينشأ عن ذلك من
عداوة وبغضاء وتنافر الأفراد والجماعات.
وأنّه حقًّا ممّا يعيب الإنسان ويقدح
فيه أن يرتكب هاته الأعمال المنهي عنها والتي تنعته بصفة الفسق بعد إيمانه.
والجمع بين الإيمان والفسق مستقبح لا ترضاه النفوس قويّة الإيمان، لذلك
يجب على من تلبّس بها أن يتوب إلى الله ويكفّ عنها حتى لا يكون ظالماً
متعدياً حدود الله بارتكاب العصيان بدل الطاعات المأمور بها.
3)
والمؤمن الحق هو الذي يتجنّب الظنّ السيّئ بغيره وما ينشأ عنه من أوهام
وتخيلات فاسدة ممّا لا خير فيه للفرد ولا للمجتمع، ومن إثم وذنب أمامه
سبحانه.
وعلى المؤمن كذلك أن يتجنب استعمال
حواسّه في الوقوف على سيئات الناس ومعايبهم للتشهير بها والتنقيص من قيمتهم
وأقدارهم، وإلحاق السوء بهم ممّا لا خير وراءه ولا مصلحة للأمّة
الإسلامية، كما يجب على المؤمن ألَّا يذكر أخاه في غيبته بما يستقبح
ويستكره من الأعمال والصفات، إلَّا إذا كان في الغيبة مصلحة للفرد والأمّة
فهي مباحة كالتشنيع على المُجاهر بالمعصية والشهادة في المنازعات والخصومات
مثلاً.
وقد مثّل الله سبحانه المغتاب الناهش
في أعراض الناس بآكل لحم أخيه الميت، فكيف يتصوّر من مؤمن أن يحبّ شيئاً
حقُّه أن يكون مكروهاً منفّراً كما ينفر الإنسان ويكره أن يأكل لحماً وهذا
اللحم هو لحم أخيه، وكون هذا الأخ ميتاً، ولا يخفى ما في هذا التصوير من
بيان فداحة جرم الغيبة والتنفير منها.
واتقوا الله الذي تسع معرفته كل شيء، وتوبوا إليه من أعمالكم المتقدّمة المنهي عنها، فهو التواب القابل لتوبة عباده، الرحيم بهم.
4)
وبعد أن بيّن سبحانه الصفات التي يجب على المؤمن أن يتجنبها لأنها تنافي
الإيمان الكامل، شَرَع في بيان مرض يعمّ الناس أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو
غير مؤمنين، فهو نداء للبشرية جمعاء، وهذا المرض هو التباهي بشرف الأصل،
والفخر بلون البشرة أو ما نسميه حالياً بمرض العنصرية، الذي لا أساس له ولا
مرجع، لأنّ الناس أمام الله سواسية، أصلهم واحد، وأبوهم آدم وأمّهم حواء،
فلا فضل لقبيلة ولا لأمّة ولا لشعب ولا لجنس على كافّة البشر، وما خلقهم
للتفاخر والتباهي بل خلقهم وكوّن منهم الشعوب والقبائل للتعارف والتعاون
والتواصل، وإذا كان هناك فضل لأحد فبأعماله وخوفه من الله وبفعل الخير الذي
يقدّمه للبشرية، لا بشرف آبائه ولون بشرته وما شابه ذلك، فهو سبحانه عليم
خبير ببواطنكم لا يخفى عنه شيء من أعمالكم.
العبر المستخلصة من النص:
ـ يأمرنا الله سبحانه أن نتجنّب
السخرية والاستهواء بغيرنا ولمزه وتعييبه والتنابز بالألقاب واجتناب الظن
السيئ، وعدم التجسّس والغيبة ممّا لا مصلحة فيه.
ـ النهي عن التفاخر بالشرف والنسب وإنما التفاخر بالتقوى والعمل الصالح.
ـ إنّ مسؤولية بناء المجتمع الإسلامي العالمي تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء.
ـ خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من
ذريَّتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان، فالناس كلُّهم إخوة، لذلك
فلابدَّ لجسور التوادد والتواصل من أن تبقى قائمة بينهم، فلا تفاضل بين لون
وآخر، أو عِرق وآخر، بل مساواة بين الجميع أمام الله تعالى، الذي يُكرَمُ
الناسُ لديه على درجة تقواهم، فمن نال شرف التَّقوى حصل على وسام مرضاة
الله، والله أعلم بأعمال مخلوقاته خبير بنواياهم.
الدرس الثاني:
النص القرآني:
قال الله تعالى: (
إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ
وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ (95) فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ(96)
وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي
ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ
كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا
مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ
وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً
وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ (99) ).سورة الأنعام الآية 95/99.
معنى المفردات:
-فالق الحبّ: شاقّه عن النبات، أو خالقه.
-فأنّى توفكون: فكيف تصرفون عن عبادته.
-فالق الإصباح: شاق ظلمته عن بياض النهار، أو خالقه.
-حسباناً: أي بحساب مقدّر نيطت به مصالح الخلق.
-فمستقرّ: في الأصلاب، وقيل في الأرحام.
-ومستودع: في الأرحام، وقيل في الأصلاب.
-خضراً: أخضرَ غضّاً.
-متراكباً: متراكماً.
-طلعها: هو أوّل ما يخرج من ثمر النخل في الكيزان.
-قِنوان: عراجين كالعناقيد تنشق عن الكيزان.
-دانية: متدلّية أو قريبة من المتناول.
-ينعِـه: حال نضجه وإدراكه.
المعنى الإجمالي للنص:
هذه الآيات تتضمّن أخطر حكم تكليفي
خاطب الله تعالى به الناس جميعاً في مختلف الأزمنة والأمكنة، وهو الإيمان
بربوبيّة وألوهية الله وحده: الإيمان بأنّه وحده الخالق، وهو وحده المحيي
والمميت، وهو الضارّ والنافع، وهو المسبّب لأسباب الكون جميعاً، وهو الذي
خلق في الأشياء طبائعها ورتّب لها وظائفها أي أنّه هو الذي ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثَمَّ هَدَى ) طه الآية 50، وهو الذي يجمع الناس كلّهم ليوم الجمع الذي لا ريب فيه، فريق في الجنّة وفريق في السّعير.
وتتضمّن
أيضاً هذه الآيات الإقرار بأنّ الكون كلّه وما فيه من نجوم السماء ونجوم
الأرض ( النّبات ) مسخّر للإنسان وحده. فنجوم السماء تهدي الإنسان في ظلمات
البرّ والبحر، والكون كلّه يهديه في ظلمات الجهل لمعرفة الخالق الحق، الذي
خلقه في أحسن تقويم، وهيأ له أسباب الحياة ليزداد في العرفان والارتقاء
فيكتمل إيمانه ويطرد الشكّ عنه.
ـ (
إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ
وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ ):
فالله وحده الذي خلق الحبّ والنوى من العدم فأنبت منه الزرع والثمر على
اختلاف أنواعه وأصنافه وأشكاله وطعومه. وهو الذي يخرج النبات وهو مصدر
الحياة من الحبّ الذي هو ميِّت كالجماد، ويخرج الخشب الميِّت من النبات
الحي. وقيل يخرج الولد المؤمن من الكافر، والولد الكافر من المؤمن. ذلك هو
فعل الله وحده فكيف تُصرفون عن الإيمان به وتعدلون عن عبادته إلى الباطل.
ـ ( فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ):
الله خالق الضياء والظلام، وجعل الليل وما فيه من ظلام للراحة والسّكون من
تعب ومشقّة العمل في النهار، والله يجري الشمس والقمر بحساب متقن لا
يتغيّر ولا يضطرب، فهما سبب الصيف وما فيه من حرارة والشتاء وما فيه من
برودة، قال الله تعالى: ( لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وُكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يَسِ الآية 40. والكلّ يجري بتقدير الله العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف، العليم بكلّ شيء.
ـ (
وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي
ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ ): فالله الذي
خلق النجوم يهتدي بها الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، وهي زينة السماء،
وخلقها رجوماً للشياطين، فتلك آيات كافية للاهتداء إلى الحق وتجنّب الباطل.
ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ): والله وحده الذي خلق الإنسان من نفس واحدة قال تعالى: (
يَأَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُواْ رَبَّكُمُ الْذِي خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
وَنِسَاءً ) النساء الآية 1. ثم جعله عضواً مستقلاً بذاته، مستقرّ على ظهر الأرض ثم مستودع في الدار الآخرة بعد إكمال مهمّته ووظيفته في الحياة الدنيا.
ـ (
وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ
كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا
مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ
وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً
وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ ) فالله الذي ضمن أسباب الحياة للإنسان من مشرب ومأكل مختلفاً ألوانه وطعومه وأشكاله وروائحه.
ثم ختم الله هذه الآيات الدّالّة على
قدرته جلّ وعلا بالدعوة إلى استعمال العقل، والحثّ على التفكير في قدرة
الخالق وحكمته ورحمته، لأنّ إعمال العقل هو السبيل الوحيد الموصل إلى
الإيمان المنتج للسّلوك الحسن والعمل القويم.
العبر المستخلصة من النص:
ـ الإيمان بأنّ الله هو المسبّب لأسباب الكون جميعاً.
ـ الله وحده الذي يهدي الإنسان إلى الخير، وقد فطره على ذلك.
ـ التدبّر في الكون من أسباب الهداية.
ـ كلّ ما في الكون من شيء مسخّر للإنسان.
ـ تأمّل قوله تعالى في هذه الآية : ( فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً )
أي إنّ الله يخرج الحبّ من النبات الأخضر و هذا ما أدركه العلم من أنّ
النبات ينتج المواد الغذائية بواسطة خلايا الورقة الخضراء، إنّ أحسن معمل
لدى الإنسان لا يقارن بنشاط ذلك المعمل الموجود في الورقة الخضراء فتأمّل
سرّ تعبير القرآن الدّقيق .
الدرس الثالث:
النص القرآني:
قال الله تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الْذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً (63) وَالْذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(64) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اَصْرَفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (66) وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)
وَالْذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً
(70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَاباً(71) وَالْذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً (72) وَالْذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وُعُمْيَاناً (73)
وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا
وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (76) قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77) ).سورة الفرقان الآية 63/77.
معنى المفردات:
-عباد الرحمان: مبتدأ خبره أولئك يجزون الغرفة، وإضافة العباد إلى الرحمان للتفضيل.
-هوناً: هيِّنين متواضعين غير متكبِّرين.
-قالوا سلاماً: قالوا قولًا سديداً فيه عفو وصفح وسلامة من الإثم.
-كان غراماً: كان ملازماً وثابتاً.
-لم يقتروا: لم يبخلوا ولم يضيّقوا على أنفسهم تضييق البخيل وضده يسرفوا.
-قواماً: وسطاً، أما القوام بكسر القاف فهو ما يدوم عليه الأمر ويستقر.
-أثاماً: جزاءً وعقاباً.
-مهاناً: ذليلاً ومحتقراً.
-لا يشهدون الزور: لا يدلون بالشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب.
-اللغو: كل ما لا خير فيه من قول أو عمل.
-كراماً: معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والمشاركة فيه.
-لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً:
خرّ بمعنى سقط، والمعنى أنهم إذا سمعوا آيات الله أقبلوا عليها واعين لها
متبصرين بما فيها، ليس شأنهم شأن الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله أعرضوا
عنها كمن لا يسمع ولا يبصر.
-قرّة أعين: تقرّ أعيننا بهم بمعنى تسكن وتهدأ.
-الغرفة: أعلى مواضع الجنّة وأفضلها.
-المستقر: محلّ الاستقرار.
-المقام: مكان الإقامة.
-ما يعبأ بكم ربي: لا يبالي بكم ربي، ولا يعتدّ بكم. من قولك لا أعبأ بالأمر أي لا أبالي به ولا أعتد.
المعنى الإجمالي للنص:
1)
الآيات الكريمة المتقدّمة في صفات المؤمنين الذين يستحقّون أن ينعتوا
بعباد الرحمان، وهاته الصفات كما وردت في النص القرآني الكريم، بعضها
إيجابي يجب على المؤمن الحق أن يتصف بها، وبعضها الآخر سلبي يجب على المؤمن
أن يبتعد عنها ويحاربها في نفسه وطبائعه.
فالصفات الإيجابية هي: التواضع،
والحِلم، والتهجد ليلاً، والخوف من عذاب الله، والتذكر بآيات الله، ودعاء
الله بصالح الأزواج والذرية.
والصفات السلبية هي: ترك الإسراف
والتقتير، والبعد عن الشرك والزنى والقتل، والبعد عن شهادة الزور وما لا
خير فيه ولا فائدة من اللغو.
2)
هؤلاء المؤمنون المتصفون بصفات الكمال، المستحقّون للقب عباد الرحمان، هم
الذين يجزون يوم القيامة بأحسن موضع في الجنّة وأفضله، جزاءً لهم على تحمّل
مشاقّ الطاعات، ورفض الشهوات، وتحمّل مجاهدة النّفس ومحاربتها، ويلقّون
فيها تحيّة من الله وسلاماً من الملائكة، وهم في هاته الغرفة خالدين، حيث
طابت لهم، وحسنت مستقرًّا ومقاماً.
3)
وختم الله سبحانه وتعالى هاته الآيات ببيان أنّه غنيّ عن الكلّ، وأنّه
لولا عبادة بعض خلقه وإيمانهم واتباعهم لأوامره سبحانه ما كان ليعتدّ بهم
ويبالي، لأنّ شرف الإنسان بطاعته ومعرفته، وبذلك يتميّز عن سائر المخلوقات
الأخرى.
أما
أنتم يا كفار قريش الذين كذّبتم ما جاء به رسولي، وخالفتم أوامري، واتبعتم
شهوات أنفسكم الأمّارة بالسّوء، فسوف تساقون إلى جهنّم خالدين فيها جزاء
تكذيبكم.
العبر المستخلصة من النص:
ـ النص القرآني الكريم يدعونا إلى الاتصاف بصفات الكمال، ونبذ النقائص والموبقات.
ـ التوسّل إلى الله بالدعاء واجب للوقاية من عذاب جهنّم الأليم.
ـ التوسّط في المعيشة واجب شرعي.
ـ الصبر طريق النجاح والنجاة.
الدرس الرابع:
النص القرآني:
قال الله تعالى: (
قُلْ تَعَالَوَاْ اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ أَلَّا
تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُواْ
أَوْلَادَكُمْ مِنْ اِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا
تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا
تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الْتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا
نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ
كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ (152)
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ). سورة الأنعام الآية 151/ 153.
معنى المفردات:
-تعالوا: أقبلوا، وأصله أن يستعمله من كان في مكان عال ينادي به من كان أسفله.
-اتل: أقرأ.
-الإملاق: الفقر، وأملق إذا أنفق ماله حتى الفقر.
- الفواحش: ما عظم جرمه وذنبه من كبائر الذنوب.
-ما بطن: ما خفي واستتر.
-لعلّكم تعقلون: لعلّكم ترشدون.
-حتى يبلغ أشدّه: حتى يبلغ رشده ويصير قادراً على التصرّف في أمواله.
-الكيل: كال إذا عيّن كمية الشيء ومقداره بواسطة آلة معدّة لذلك.
-بالقسط: بالعدل وعدم النقصان.
-إلا وسعها: إلا ما في استطاعتها القيام به.
-لعلّكم تذكرون: لعلّكم تتعظون وتعتبرون.
-صراطي: طريقي ومنهاجي.
-السُبل: الأديان الأخرى.
-لعلكم تتّقون: لعلكم تبتعدون وتتجنّبون الضلال وتتمسّكون بالحق.
المعنى الإجمالي للنص:
النص القرآني المتقدّم تضمن ثلاث آيات
في توضيح أصول الفضائل وأنواع البر وأصول المحرّمات والكبائر، ليكون المسلم
على بيّنة من دينه، وما يجب عليه القيام به أو تركه وتحاشيه وليعرف أهداف
هذا الدّين الحكيم وما يرمي إليه من مكارم الأخلاق وتكوين نفس المسلم
تكويناً صالحاً.
وهي وصايا عشر، خمس منها بصيغة النهي والباقية بصيغة الأمر:
1)
فمن المحرمات والذنوب العظيمة التي لا تُغفر الإشراك بالله، وعبادة ما لا
يجدي نفعاً من الأصنام ومظاهر الطبيعة ونحوها، وترك عبادة الرحمان الذي
تتمثّل فيه القدرة، وبين يديه مصير هذا العالم بما فيه من أراضي وسماوات،
ولا يَخفي ما في هذا العمل من عدم تقدير الله حق قدره، لذلك نهى سبحانه عن
الإشراك به. وأمر بالاقتصار على عبادته، لأنّه هو الذي يستحقّ غاية
التعظيم.
2)
الأمر بالإحسان إلى الوالدين لأنّهما السبب الظاهر في وجودنا، فالأم تلقى
بسبب الحمل والوضع مشقّة، والأب يتحمّل من مصاعب الحياة أمرها، فلذلك يجب
البرّ بهما وإعانتهما والترحّم عليهما بعد وفاتهما. ونظراً لمكانتهما وما
يجب على الإنسان أن يقوم به نحوهما قَرن الله سبحانه الإحسان إليهما
بعبادته، قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء 23.
3)
النهي عن قتل الأولاد خوفاً من الفقر كما كانت تفعل بعض القبائل في
الجاهلية، لِما في ذلك من الذنب العظيم الذي لا يُغفر، ولِما يتمثّل كذلك
في هذا العمل من إبادة للجنس البشري، وما كان حقّهم أن يفعلوا ذلك فالذي
خلقهم وضمن أرزاقهم وما تقوم عليه حياتهم قد ضمن لهؤلاء الأولاد كذلك
أرزاقهم.
4)
النهي عن ارتكاب الفواحش والذنوب الكبيرة ممّا تأمر به القوّة الشهوية أو
النفس الأمارة بالسوء في حالتي الخفاء والجهر. فالفواحش الظاهرة قد يبتعد
عنها الإنسان حياءً من الناس، أو خوفاً من ملامتهم، أو خشيةً من سلطة
القانون، أمّا الابتعاد عن الفواحش الباطنة التي لا يطلّع عليها الناس
لاتصالها بخفايا النفس فهي مرتّبة تتجه بالناس إلى الصعود نحو المشارف
العليا للكمال، والسلوك المثالي، وفي هذا قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ) الأعراف 33.
5)
النهي عن القتل ظلماً وعدواناً لما في ذلك من الإثم العظيم أمام الله
وأمام المجتمع، ولا يجوز مطلقاً لأيّ أحد أن يقتل أحداً إلَّا لسبب أوجبت
فيه الشريعة الإسلامية القتل ( كالقصاص والردّة..)، مستعيناً في الوصول إلى حقّه بالطرق القانونية وبولاية الأمر من حكام وقضاة.
6)
النهي عن التلاعب بأموال اليتيم الذي كُلّف الإنسان بالسّهر على مصالحه
ورعايتها، فالواجب يقتضي منه أن يؤدّي هاته الرسالة السامية على أكمل وجه،
ولا يستغلّ فرصة وصايته ويعتدي على أموال اليتيم ويستغلّها لنفسه بل يجب أن
يسهر على هذا المال بالإنماء والمحافظة حتى يبلغ اليتيم سنّ الرشد فيعامله
بما يعامل به سائر المسلمين داخل المجتمع الإسلامي.
[b]7)
الأمر بعدم بخس الكيل والميزان، لأنّ النقص فيهما سرقة، والسرقة محرّمة في
الإسلام، بل من الأحسن للإنسان أن يكون صادقاً وفيّاً في كيله وميزانه لما
في ذلك من إعطاء الناس حقوقهم وبراءة ذمّته يوم المرجع والحساب حيث تجزى
كل نفس بما عملت حسب استطاعتها لأنّه سبحانه لا يكلّف البشر أكثر من استطاعتهم [/font
الأربعاء مايو 30, 2018 8:53 pm من طرف Nanondouch
» إختبار الثلاثي الثالث مادة العلوم الطبيعية
الأربعاء مايو 16, 2018 9:05 pm من طرف حاج
» دلیل بناء اختبار مادة علوم الطبیعة والحیاة في امتحان شھادة البكالوریا – أكتوبر 2017
الخميس نوفمبر 30, 2017 11:58 pm من طرف زغينة الهادي
» ملفات مفتوحة المصدر لجميع مصممين الدعاية والاعلان
السبت نوفمبر 25, 2017 1:04 am من طرف زغينة الهادي
» مادة الرياضيات السنة الاولى ثانوي
الخميس نوفمبر 16, 2017 12:12 am من طرف اسماعيل بوغنامة
» برنامج لصنع توقيت مؤسسة تربوية
الخميس سبتمبر 28, 2017 11:12 pm من طرف زغينة الهادي
» كل ما يخص الثانية متوسط من مذكرات ووثائق للأساتذة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 11:03 am من طرف linda.hammouche
» المنهاج والوثيقة المرافقة له للجيل الثاني في كل المواد لمرحلة التعليم المتوسط
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 10:56 am من طرف linda.hammouche
» دليل استخدام كتاب الرياضيات الجيل الثاني سنة4
الجمعة سبتمبر 22, 2017 1:26 pm من طرف زغينة الهادي